بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُجَازِي الصَّابِرِينَ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ فَلَا يَضِيعُ عِنْدَهُ أَجْرُ الْمُحْسِنِينَ ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الصَّبْرِ عَلَى هَذِهِ الشَّدَائِدِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ :﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ يَعْنِي الثَّنَاءَ الْجَمِيلَ وَالْبَرَكَاتِ وَالرَّحْمَةَ وَهِيَ النِّعْمَةُ الَّتِي لَا يَعْلَمُ مَقَادِيرَهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى، كَقَوْلِهِ فِي آيَةٍ أُخْرَى :﴿ إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ وَمِنْ الْمَصَائِبِ وَالشَّدَائِدِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ مَا هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمُشْرِكِينَ بِهِمْ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ فِعْلِ الْمُشْرِكِينَ فَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ كُلَّهَا كَانَتْ قَدْ اجْتَمَعَتْ عَلَى عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَكَانَ خَوْفُهُمْ مِنْ قِبَلِ هَؤُلَاءِ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَكَثْرَتِهِمْ.
وَأَمَّا الْجُوعُ فَلِقِلَّةِ ذَاتِ الْيَدِ وَالْفَقْرِ الَّذِي نَالَهُمْ.
وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْفَقْرُ تَارَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يُفْقِرَهُمْ بِتَلَفِ أَمْوَالِهِمْ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ الْعَدُوِّ بِأَنْ يُغْلَبُوا عَلَيْهِ فَيَتْلَفَ ﴿ وَنَقْصٍ مِنْ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ﴾ يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ مِنْ الْأَمْوَالِ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ الْعَدُوَّ.
وَكَذَلِكَ الثَّمَرَاتُ لِشُغْلِهِمْ إيَّاهُمْ بِقِتَالِهِمْ عَنْ عِمَارَةِ أَرَاضِيهِمْ.
وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْجَوَائِحِ الَّتِي تُصِيبُ الْأَمْوَالَ وَالثِّمَارَ.
وَنَقْصُ الْأَنْفُسِ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْهُمْ فِي الْحَرْبِ، وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ مَنْ يُمِيتُهُ اللَّهُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ.
فَأَمَّا الصَّبْرُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ، فَهُوَ التَّسْلِيمُ وَالرِّضَا بِمَا فَعَلَهُ وَالْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا الصَّلَاحَ


الصفحة التالية
Icon