الْبَرَاءِ، عَنْ أَبِيهِ :﴿ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي أَجِنَّةِ الْأَنْعَامِ أَنَّ ذَكَاتَهَا ذَكَاةُ أُمِّهَا إذَا أُشْعِرَتْ ﴾.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ :" كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ : إذَا أُشْعِرَ الْجَنِينُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ ".
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِمَا مِثْلُ ذَلِكَ.
فَيُقَالُ لَهُ : إذَا ذُكِرَ الْإِشْعَارُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَأُبْهِمَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ الَّتِي هِيَ أَصَحُّ مِنْهُ، وَهُوَ خَبَرُ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي أُمَامَةَ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا الْإِشْعَارُ، فَهَلَّا سَوَّيْت بَيْنَهُمَا ؛ إذْ لَمْ تَنْفِ هَذِهِ الْأَخْبَارُ مَا أَوْجَبَهُ خَبَرُ الْإِشْعَارِ ؛ إذْ هُمَا جَمِيعًا يُوجِبَانِ حُكْمًا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا فِي أَحَدِهِمَا تَخْصِيصُ ذَلِكَ الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ نَفْيٍ لِغَيْرِهِ وَفِي الْآخَرِ إبْهَامُهُ وَعُمُومُهُ.
وَلَمَّا اتَّفَقْنَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُشْعِرْ لَمْ تُعْتَبَرْ فِيهِ ذَكَاةُ الْأُمِّ وَاعْتُبِرَتْ ذَكَاةُ نَفْسِهِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَقْرَبُ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ أَعْضَائِهَا مِنْهُ بَعْدَ مُبَايَنَتِهِ لَهَا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَهُ إذَا أُشْعِرَ وَيَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿ ذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ ﴾ عَلَى أَنَّهُ يُذَكَّى كَمَا تُذَكَّى أُمُّهُ، وَيُقَالُ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : إذَا كَانَ قَوْلُهُ :" ذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ " إذَا أُشْعِرَ، يَنْفِي ذَكَاتَهُ بِأُمِّهِ إذَا لَمْ يُشْعِرْ، فَهَلَّا خَصَّصْت بِهِ الْأَخْبَارَ الْمُبْهَمَةَ ؛ إذْ كَانَ عِنْدَكُمْ أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ مِنْ الدَّلِيلِ يُخَصُّ بِهِ الْعُمُومُ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ.
وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِي ذَلِكَ، قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ ﴾ وَدَلَالَةُ هَذَا الْخَبَرِ يَقْتَضِي عِنْدَهُ تَحْرِيمَ سَائِرِ الْمَيْتَاتِ سِوَاهُمَا، فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَحْمِلَ مَعْنَى.
قَوْلِهِ :{ ذَكَاةُ الْجَنِينِ


الصفحة التالية
Icon