أَتَى فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ عَلَى بَيْتٍ بِفِنَائِهِ قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَاسْتَسْقَى فَقِيلَ : إنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ : ذَكَاةُ الْأَدِيمِ دِبَاغَتُهُ }.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ﴿ : دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طَهُورُهَا ﴾ وَسِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ قَالَتْ ﴿ : كَانَتْ لَنَا شَاةٌ فَمَاتَتْ فَطَرَحْنَاهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا فَعَلَتْ شَاتُكُمْ ؟ فَقُلْنَا : رَمَيْنَاهَا، فَتَلَا قَوْله تَعَالَى :{ قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ﴾ الْآيَةَ، أَفَلَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا } فَبَعَثْنَا إلَيْهَا فَسَلَخْنَاهَا وَدَبَغْنَا جِلْدَهَا وَجَعَلْنَاهُ سِقَاءً وَشَرِبْنَا فِيهِ حَتَّى صَارَ شَنًّا.
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ :﴿ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةِ مَيْمُونَةَ فَقَالَ : مَا عَلَى أَهْلِ هَذِهِ لَوْ انْتَفَعُوا بِإِهَابِهَا ﴾ وَالزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ :﴿ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ لَهُمْ مَيِّتَةٍ فَقَالَ : أَلَا دَبَغُوا إهَابَهَا فَانْتَفَعُوا بِهِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ : إنَّمَا حُرِّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا ﴾ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَارِ، كُلُّهَا يُوجِبُ طَهَارَةَ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ، كَرِهْت الْإِطَالَةَ بِذِكْرِهَا وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا مُتَوَاتِرَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، قَاضِيَةٌ عَلَى الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا : وُرُودِهَا مِنْ الْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّتِي يَمْنَعُ مِثْلُهَا التَّوَاطُؤَ وَالِاتِّفَاقَ عَلَى الْوَهْمِ أَوْ الْغَلَطِ.
وَالثَّانِي : جِهَةِ تَلَقِّي الْفُقَهَاءِ إيَّاهَا بِالْقَبُولِ وَاسْتِعْمَالِهِمْ لَهَا.
فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ مَعَ آيَةِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ تَحْرِيمُهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ، وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ


الصفحة التالية
Icon