بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ " وَهُوَ إنَّمَا يُسَمَّى إهَابًا قَبْلَ الدِّبَاغِ، وَالْمَدْبُوغُ لَا يُسَمَّى إهَابًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى أَدِيمًا فَلَيْسَ إذًا فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا يُوجِبُ تَحْرِيمَهُ بَعْدَ الدِّبَاغِ.
وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فِي إبَاحَةِ بَيْعِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ فَقَوْلٌ خَارِجٌ عَنْ اتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿ : لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ ﴾ لِأَنَّهُ قَبْلَ الدِّبَاغِ يُسَمَّى إهَابًا.
وَالْبَيْعُ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا بِقَوْلِهِ :﴿ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ إنَّمَا حُرِّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا ﴾ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَكْلِ دُونَ الْبَيْعِ قِيلَ لَهُ : فَيَنْبَغِي أَنْ تُجِيزَ بَيْعَ لَحْمِهَا بِقَوْلِهِ :﴿ إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا ﴾ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ اللَّحْمِ مَعَ قَوْلِهِ :" إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا " كَذَلِكَ حُكْمُ الْجِلْدِ قَبْلَ الدِّبَاغِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : مَنَعْت بَيْعَ اللَّحْمِ بِقَوْلِهِ :" إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا " قِيلَ لَهُ : وَامْنَعْ بَيْعَ الْجِلْدِ بِقَوْلِهِ :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ ﴾ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ وَإِنَّمَا خَصَّ مِنْ جُمْلَتِهِ الْمَدْبُوغَ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَأَيْضًا فَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا ﴾ وَإِذَا كَانَ الْجِلْدُ مُحَرَّمَ الْأَكْلِ قَبْلَ الدِّبَاغِ كَتَحْرِيمِ اللَّحْمِ، وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ كَبَيْعِ اللَّحْمِ نَفْسِهِ وَكَبَيْعِ سَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ لِأَعْيَانِهَا كَالْخَمْرِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهِمَا.


الصفحة التالية
Icon