جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ تَحْرِيمُ أَكْلِهِ جَوَازَ بَيْعِهِ مِنْ حَيْثُ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْأَكْلِ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ.
وَأَمَّا الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُمَا حَقُّ الْعَتَاقِ، وَفِي جَوَازِ بَيْعِهِمَا إبْطَالٍ لِحَقِّهِمَا، فَلِذَلِكَ مُنِعَ بَيْعُهُمَا مَعَ إطْلَاقِ سَائِر وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ فِيهِمَا.
وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ وَدَكِ الْمَيْتَةِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ كَلَحْمِهَا مَمْنُوعٍ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ، وَلَيْسَ مَا مَاتَ فِيهِ الْفَأْرَةُ مِنْ الْمَائِعَاتِ بِمُحَرَّمِ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ لِمُجَاوَرَتِهِ الْمَيْتَةَ، وَسَائِرُ وُجُوهِ الْمَنَافِعِ مُطْلَقَةٌ فِيهِ سِوَى الْأَكْلِ، فَكَانَ بَيْعُهُ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَجُوزُ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ.
وَكَذَلِكَ الرَّقِيقُ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ كَسَائِرِ مَنَافِعِهِمْ.
وَقَدْ دَلَّ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ بِإِلْقَاءِ الْفَأْرَةِ وَمَا حَوْلَهَا فِي الْجَامِدِ مِنْهُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَا كَانَ نَجِسًا فِي نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ بِالْمُجَاوَرَةِ لِحُكْمِهِ فِيمَا جَاوَرَ الْفَأْرَةَ مِنْهُ بِالنَّجَاسَةِ، وَأَنَّ مَا يُنَجَّسُ بِالْمُجَاوَرَةِ لَا يُنَجِّسُ مَا جَاوَرَهُ ؛ إذْ لَمْ يَحْكُمْ بِنَجَاسَةِ السَّمْنِ الْمُجَاوِرِ لِلسَّمْنِ النَّجِسِ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ لَوَجَبَ الْحُكْمُ بِتَنْجِيسِ سَائِرِ سَمْنِ الْإِنَاءِ بِمُجَاوَرَةِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ لِغَيْرِهِ.
فَهَذَا أَصْلٌ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ مَرَاتِبِ النَّجَاسَةِ فِي التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مُتَسَاوِيَةَ الْمَنَازِلِ، فَجَازَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي بَعْضِهَا أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَفِي بَعْضِهَا الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ عَلَى حَسَبِ قِيَامِ دَلَالَةِ التَّخْفِيفِ وَالتَّغْلِيظِ، وَاَللَّهُ