عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ.
فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الشَّعْرُ وَالصُّوفُ وَالْعَظْمُ وَنَحْوُهَا مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَأْكُولِ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا التَّحْرِيمُ، وَمِنْ حَيْثُ خَصَّصْنَا جِلْدَ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَ بِالْإِبَاحَةِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِيهِ وَجَبَ تَخْصِيصُ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَمَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْأَكْلُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحَرَّمِ بِالْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِيهَا مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَمَّا كَانَ خُرُوجُهُ عَنْ حَدِّ الْأَكْلِ بِالدَّبَّاغِ مُبِيحًا لَهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَ سَائِرِ مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْأَكْلُ مِنْهَا مِنْ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ وَنَحْوِهِمَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ فِي إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا حَلْقُ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ عَنْهَا، بَلْ فِيهَا الْإِبَاحَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِمَا عَلَيْهَا مِنْ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ، وَلَوْ كَانَ التَّحْرِيمُ ثَابِتًا فِي الصُّوفِ وَالشَّعْرِ لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْجُلُودَ لَا تَخْلُو مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حَيَاةٌ وَمَا لَا حَيَاةَ فِيهِ لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ الْمَوْتِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الشَّعْرَ وَنَحْوَهُ لَا حَيَاةَ فِيهِ، أَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَأْلَمْ بِقَطْعِهَا، وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ لَتَأَلَّمَ بِقَطْعِهَا كَمَا يُؤْلِمُهُ قَطْعُ سَائِرِ أَعْضَائِهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّعْرَ وَالصُّوفَ وَالْعَظْمَ وَالْقَرْنَ وَالظِّلْفَ وَالرِّيشَ لَا حَيَاةَ فِيهَا، فَلَا يَلْحَقُهَا حُكْمُ الْمَوْتِ، وَوُجُودُ النَّمَاءِ فِيهَا لَا يُوجِبُ لَهَا حَيَاةً ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ وَالنَّبَاتَ يَنْمِيَانِ وَلَا حَيَاةَ فِيهِمَا وَلَا يَلْحَقُهُمَا حُكْمُ الْمَوْتِ، فَكَذَلِكَ الشَّعْرُ وَالصُّوفُ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ { : مَا بَانَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ