وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ، فَكَرِهَهَا قَوْمٌ وَأَبَاحَهَا أَصْحَابُنَا وَمَنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
وَقَدْ رَوَى عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَمُطَرِّفٌ عَنْ عَمَّارٍ إبَاحَةَ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِ السِّبَاعِ.
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالضَّحَّاكِ وَابْنِ سِيرِينَ :" لَا بَأْسِ بِلُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ ".
وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي الْفِرَاءِ :" دِبَاغُهَا ذَكَاتُهَا ".
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : رَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ﴿ نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ ﴾ وَقَتَادَةُ عَنْ أَبِي شَيْخٍ الْهُنَائِيِّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَعْلَمُونَ ﴿ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنْ سُرُوجِ النُّمُورِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ ﴾.
وَقَدْ تَنَازَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مَعْنَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، فَقَالَ قَائِلُونَ : هَذَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ يَقْتَضِي تَحْرِيمَ لُبْسِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ وَالتَّشَبُّهِ بِزِيِّ الْعَجَمِ، كَمَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ :﴿ نَهَى النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَعَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَعَنْ الثِّيَابِ الْحُمْرِ ﴾.
وَمَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي إبَاحَةِ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ وَالتَّشَبُّهِ بِالْعَجَمِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ حَدِيثِ سَلْمَانَ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ فِي إبَاحَةِ لُبْسِ الْفِرَاءِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿ : أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ ﴾ وَقَوْلُهُ ﴿ : دِبَاغُ الْأَدِيمِ ذَكَاتُهُ ﴾ عَامٌّ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ النَّجَاسَةِ بَلْ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ وَالتَّشَبُّهِ