بَابُ الْمُضْطَرِّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمُضْطَرِّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ :" الْمُطِيعُ الْمُضْطَرُّ إلَى شُرَبِ الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا " وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا.
وَإِنَّمَا يَشْرَبُ مِنْهَا مِقْدَارَ مَا يُمْسِكُ بِهِ رَمَقَهُ ؛ إذْ كَانَ يَرُدُّ عَطَشَهُ.
وَقَالَ الْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ وَمَكْحُولٌ :" لَا يَشْرَبُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُهُ إلَّا عَطَشًا ".
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ :" لَا يَشْرَبُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُهُ إلَّا عَطَشًا وَجُوعًا ".
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :" وَلِأَنَّهَا تَذْهَبُ بِالْعَقْلِ ".
قَالَ مَالِكٌ :" إنَّمَا ذُكِرَتْ الضَّرُورَةُ فِي الْمَيْتَةِ وَلَمْ تُذْكَرْ فِي الْخَمْرِ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تُزِيلُ ضَرُورَةَ الْعَطَشِ وَالْجُوعِ لَا مَعْنَى لَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا تُمْسِكُ الرَّمَقَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَتُزِيلُ الْعَطَشَ، وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِيمَا بَلَغَنَا مَنْ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ دَهْرًا اكْتِفَاءً بِشُرْبِ الْخَمْرِ عَنْهُ، فَقَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ غَيْرُ الْمَعْقُولِ الْمَعْلُومِ مِنْ حَالِ شَارِبِهَا.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنَّهُ إنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ نُحِيلَ مَسْأَلَةَ السَّائِلِ عَنْهَا وَنَقُولَ : إنَّ الضَّرُورَهْ لَا تَقَعُ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيَّ فِي ذَهَابِ الْعَقْلِ فَلَيْسَ مِنْ مَسْأَلَتِنَا فِي شَيْءٍ لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْقَلِيلِ الَّذِي لَا يُذْهِبُ الْعَقْلَ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الضَّرُورَةَ إنَّمَا ذُكِرَتْ فِي الْمَيْتَةِ وَلَمْ تُذْكَرْ فِي الْخَمْرِ " فَإِنَّهَا فِي بَعْضِهَا مَذْكُورَةً فِي الْمَيْتَةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا، وَفِي بَعْضِهَا مَذْكُورَةٌ فِي سَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ ﴾ وَقَدْ فَصَّلَ لَنَا تَحْرِيمَ الْخَمْرِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي قَوْله تَعَالَى :{ يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ


الصفحة التالية
Icon