فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ رَفْعُ حُكْمِهَا مِنْ التَّخْيِيرِ وَلَا نَسْخُهُ، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّخْصِيصُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ وَرَدَ أَثَرٌ فِي قِرَاءَةِ آيَةٍ دُونَ مَا هُوَ أَقَلَّ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ نَسْخُ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ بَاقٍ فِي أَنْ يَقْرَأَ أَيُّهَا شَاءَ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَوْلُهُ :﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ ﴾ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا عَدَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، فَلَا يَكُونُ فِيهِ نَسْخٌ لَهَا، قِيلَ لَهُ : لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ جَعَلَ الْأَمْرَ بِالْقِرَاءَةِ عِبَارَةً عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عِبَادَةً إلَّا وَهِيَ مِنْ أَرْكَانِهَا الَّتِي لَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا.
الثَّانِي : أَنَّ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ فِي جَمِيعِ مَا يُقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ، فَلَا يَجُوز تَخْصِيصُهُ فِي بَعْضِ مَا يُقْرَأْ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا.
الثَّالِثُ : أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ ﴾ أَمْرٌ، وَحَقِيقَتُهُ وَمُقْتَضَاهُ الْوَاجِبُ، فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى النَّدْبِ مِنْ الْقِرَاءَةِ دُونَ الْوَاجِبِ مِنْهَا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد، قَالَ : حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ عَنْ عُمَرَ، { أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ لَهُ : ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ يُصَلِّي ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَرَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : إنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرَ وَيَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ،


الصفحة التالية
Icon