أَوْجَبَ الْقِصَاصَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَيَاةً لَنَا.
وَذَلِكَ خِطَابٌ شَامِلٌ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ صِفَةَ أُولِي الْأَلْبَابِ تَشْمَلُهُمْ جَمِيعًا، فَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةً فِي الْجَمِيعِ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ بِحُكْمِهَا عَلَى بَعْضِ مَنْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ﴾ وَهُوَ عَامٌّ فِي الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فَلَا يُخَصُّ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِدَلَالَةٍ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ : وَهُوَ اتِّفَاقُ الْجَمْعِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ هُوَ الْقَاتِلَ فَهُوَ مُرَادٌ بِهِ، كَذَلِكَ إذَا كَانَ مَقْتُولًا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُ إذَا كَانَ قَاتِلًا أَوْ مَقْتُولًا.
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا قَالَ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ :﴿، وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ﴾ وَهُوَ الْعَبْدُ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُ بِأَوَّلِ الْخِطَابِ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ قَاتِلًا فَهُوَ مُرَادٌ، وَلَمْ يَمْنَعْ قَوْلُهُ :﴿ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ﴾ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا إذَا كَانَ قَاتِلًا، كَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ إرَادَتَهُ إذَا كَانَ مَقْتُولًا، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ﴾ لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصُ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَدْنَاهُمْ عَدَدًا، هُوَ كَقَوْلِهِ : وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَلَا تَعَلُّقَ لِذَلِكَ فِي إيجَابِ اقْتِصَارِ حُكْمِ أَوَّلِ اللَّفْظِ عَلَى الْحُرِّ دُونَ الْعَبْدِ.
وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ عَبْدُهُمْ، لَمْ يُوجِبْ تَخْصِيصَ حُكْمِهِ فِي مُكَافَأَةِ دَمِهِ لِدَمِ الْحُرِّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ آخَرُ اسْتَأْنَفَ لَهُ ذِكْرًا، وَخَصَّ بِهِ الْعَبْدَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَبْدِ أَوْلَى بِالسَّعْيِ بِذِمَّتِهِمْ.
فَإِذَا كَانَ تَخْصِيصُ الْعَبْدِ بِالذِّكْرِ فِي هَذَا الْحُكْمِ لَمْ يُوجِبْ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِهِ دُونَ الْآخَرِ، فَلَأَنْ لَا يُوجِبَ تَخْصِيصَ حُكْمِ


الصفحة التالية
Icon