حُكْمُ الِابْتِدَاءِ وَالْبَقَاءِ.
فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْقَتْلُ بَدِيًّا لَمَا وَجَبَ إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ الْقَتْلِ.
وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ الْمَعْنَى فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَقَاءِ حَيَاةِ النَّاسِ بِقَوْلِهِ :﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ وَكَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودًا فِي الذِّمِّيِّ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَرَادَ بَقَاءَهُ حِينَ حَقَنَ دَمَهُ بِالذِّمَّةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ كَمَا يُوجِبُهُ فِي قَتْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.
فَإِنْ قِيلَ : يَلْزَمُكَ عَلَى هَذَا قَتْلُ الْمُسْلِمِ بِالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ مَحْظُورُ الدَّمِ ؟ قِيلَ لَهُ : لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُبَاحٌ الدَّمِ إبَاحَةً مُؤَجَّلَةً، أَلَا تَرَى أَنَّا لَا نَتْرُكُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَنُلْحِقُهُ بِمَأْمَنِهِ وَالتَّأْجِيلُ لَا يُزِيلُ عَنْهُ حُكْمَ الْإِبَاحَةِ كَالثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ لَا يُخْرِجُهُ التَّأْجِيلُ عَنْ وُجُوبِهِ ؟ وَاحْتَجَّ أَيْضًا مَنْ مَنَعَ الْقِصَاصَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ﴾ قَالُوا : وَهَذَا يَمْنَعُ كَوْنَ دَمِ الْكَافِرِ مُكَافِئًا لِدَمِ الْمُسْلِمِ.
وَهَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَا قَالُوا ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ﴿ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ﴾ لَا يَنْفِي مُكَافَأَةَ دِمَاءَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَفَائِدَتُهُ ظَاهِرَةٌ، وَهِيَ إيجَابُ التَّكَافُؤِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ وَالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ فَهَذِهِ كُلُّهَا فَوَائِدُ هَذَا الْخَبَرِ وَأَحْكَامُهُ.
وَمِنْ فَوَائِدِهِ أَيْضًا إيجَابُ الْقَوَدِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَتَكَافُؤُ دِمَائِهِمَا، وَنَفْيٌ لِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَرْأَةِ إذَا قَتَلُوا الْقَاتِلَ أَوْ إعْطَاءِ نِصْفِ الدِّيَةِ مِنْ مَالِ الْمَرْأَةِ مَعَ قَتْلِهَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْقَاتِلَةَ.
فَإِذَا كَانَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ ﴾ قَدْ أَفَادَ هَذِهِ الْمَعَانِي، فَهُوَ حُكْمٌ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَذْكُورِ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى نَفْيِ