وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } وَلَمْ يُخَصِّصْ حَالًا دُونَ حَالٍ، بَلْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ أَمْرًا مُطْلَقًا عَامًّا.
فَغَيْرُ جَائِزٍ ثُبُوتُ حَقِّ الْقَوَدِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ لَهُ يُضَادُّهُ هَذِهِ الْأُمُورُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي مُعَامَلَةِ وَالِدِهِ.
وَأَيْضًا ﴿ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنْظَلَةَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ، وَكَانَ مُشْرِكًا مُحَارِبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَكَانَ مَعَ قُرَيْشٍ يُقَاتِلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ ﴾، فَلَوْ جَازَ لِلِابْنِ قَتْلُ أَبِيهِ فِي حَالٍ لَكَانَ أَوْلَى الْأَحْوَالِ بِذَلِكَ حَالَ مَنْ قَاتَلَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ مُشْرِكٌ، إذْ لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَوْلَى بِاسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ وَالذَّمِّ وَالْقَتْلِ مِمَّنْ هَذِهِ حَالُهُ، فَلَمَّا نَهَاهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ قَتْلِهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ قَتْلَهُ بِحَالٍ.
وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا : إنَّهُ لَوْ قَذَفَهُ لَمْ يُحَدَّ لَهُ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ لَمْ يُحْبَسْ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُضَادُّ مُوجَبَ الْآيِ الَّتِي ذَكَرْنَا.
وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَجْعَلُ مَالَ الِابْنِ لِأَبِيهِ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا يُجْعَلُ مَالُ الْعَبْدِ، وَمَتَى أَخَذَ مِنْهُ لَمْ يُحْكَمْ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ.
فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ بِهِ إلَّا اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ مَالِهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا لَكَانَ كَافِيًا فِي كَوْنِهِ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ بِهِ.
وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الدَّلَائِلِ يَخُصَّ آيَ الْقِصَاصِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَالِد غَيْرُ مُرَادٍ بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.