فَلَيْسَ إذًا فِي ذَلِكَ مَا يُوهِنُ الْحَدِيثَ.
وَقَدْ تَنَازَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ فَقَالَ قَائِلُونَ : الْعَفْوُ مَا سَهُلَ وَمَا تَيَسَّرَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ خُذْ الْعَفْوَ ﴾ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : مَا سَهُلَ مِنْ الْأَخْلَاقِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ وَآخِرُهُ عَفْوُ اللَّهِ ﴾ يَعْنِي تَيْسِيرَ اللَّهِ وَتَسْهِيلَهُ عَلَى عِبَادِهِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾ يَعْنِي الْوَلِيَّ إذَا أُعْطِيَ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ فَلْيَقْبَلْهُ وَلْيَتَّبِعْهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلْيُؤَدِّ الْقَاتِلُ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ، فَنَدَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى أَخْذِ الْمَالِ إذَا سَهُلَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْقَاتِلِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَخْفِيفٌ مِنْهُ وَرَحْمَةٌ، كَمَا قَالَ عَقِيبَ ذِكْرِ الْقِصَاصِ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ :﴿ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ﴾ فَنَدَبَهُ إلَى الْعَفْوِ وَالصَّدَقَةِ، وَكَذَلِكَ نَدَبَهُ بِمَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إلَى قَبُولِ الدِّيَةِ إذَا بَذَلَهَا الْجَانِي ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِذِكْرِ عَفْوِ الْجَانِي بِإِعْطَاءِ الدِّيَةِ ثُمَّ أَمَرَ الْوَلِيَّ بِالِاتِّبَاعِ، وَأَمَرَ الْجَانِيَ بِالْأَدَاءِ بِالْإِحْسَانِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْمَعْنَى فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ : سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : كَانَ الْقِصَاصُ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ فَقَالَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾ إلَى قَوْلِهِ ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : الْعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ { فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ


الصفحة التالية
Icon