الْقِصَاصُ } إلَى قَوْلِهِ :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾ قَالَ سُفْيَانُ :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾ يَعْنِي : فَمَنْ فَضَلَ لَهُ عَلَى أَخِيهِ شَيْءٌ فَلْيُؤَدِّهِ بِالْمَعْرُوفِ.
فَأَخْبَرَ الشَّعْبِيُّ عَنْ السَّبَبِ فِي نُزُولِ الْآيَةِ، وَذَكَرَ سُفْيَانُ أَنَّ مَعْنَى الْعَفْوِ هَهُنَا الْفَضْلُ وَهُوَ مَعْنًى يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ حَتَّى عَفَوْا ﴾ يَعْنِي كَثُرُوا، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ أَعْفُوا اللِّحَى ﴾ فَتَقْدِيرُ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ : فَمَنْ فَضَلَ لَهُ عَلَى أَخِيهِ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَاتِ الَّتِي وَقَعَ الِاصْطِلَاحُ عَلَيْهَا فَلْيَتَّبِعْهُ مُسْتَحِقٌّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُؤَدِّ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ وَقَدْ ذُكِرَ فِيهِ مَعْنًى آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا : هُوَ فِي الدَّمِ بَيْنَ جَمَاعَةٍ إذَا عَفَا بَعْضُهُمْ تَحَوَّلَ نَصِيبُ الْآخَرِينَ مَالًا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ تَأْوِيلُ الْآيَةِ.
وَهَذَا تَأْوِيلُ لَفْظِ الْآيَةِ يُوَافِقُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾ وَهَذَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الْعَفْوِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الدَّمِ لَا عَنْ جَمِيعِهِ، فَيَتَحَوَّلُ نَصِيبُ الشُّرَكَاءِ مَالًا، وَعَلَيْهِمْ اتِّبَاعُ الْقَاتِلِ بِالْمَعْرُوفِ، وَعَلَيْهِ أَدَاؤُهُ إلَيْهِمْ بِإِحْسَانِ.
وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَخْذُ الْمَالِ بِغَيْرِ رِضَى الْقَاتِلِ.
وَهَذَا تَأْوِيلٌ يَدْفَعُهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ لَا يَكُونُ مَعَ أَخْذِ الدِّيَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ الْعَمْدُ قَوَدٌ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْأَوْلِيَاءُ ﴾ فَأُثْبِتَ لَهُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ : قَتْلٌ أَوْ عَفْوٌ، وَلَمْ يُثْبِتْ لَهُ مَالًا بِحَالٍ ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : إذَا عَفَا عَنْ الدَّمِ لِيَأْخُذَ الْمَالَ كَانَ عَافِيًا وَيَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْآيَةِ.
قِيلَ لَهُ : إنْ كَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ فَجَائِزٌ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَافِيًا بِتَرْكِ الْمَالِ وَأَخْذِ الْقَوَدِ، فَعَلَى هَذَا لَا


الصفحة التالية
Icon