الرُّبَيِّعِ حِينَ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ ﴾ فَأَخْبَرَ أَنَّ مُوجَبَ الْكِتَابِ هُوَ الْقِصَاصُ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ إثْبَاتُ شَيْءٍ مَعَهُ، وَلَا نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِمِثْلِ مَا يَجُوزُ بِهِ نَسْخُ الْكِتَابِ.
وَلَوْ سَلَّمْنَا احْتِمَالَ الْآيَةِ لِمَا ادَّعَوْهُ مِنْ تَأْوِيلِهَا فِي جَوَازِ أَخْذِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ رِضَى الْقَاتِلِ فِي قَوْلِهِ :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾ مَعَ احْتِمَالِهِ لِلْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا، كَانَ أَكْبَرُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا مُحْتَمِلًا لِلْمَعَانِي، فَيُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُتَشَابِهًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ ﴾ مُحْكَمٌ ظَاهِرُ الْمَعْنَى بَيِّنُ الْمُرَادِ لَا اشْتِرَاكَ فِي لَفْظِهِ، وَلَا احْتِمَالَ فِي تَأْوِيلِهِ.
وَحُكْمُ الْمُتَشَابِهِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَعْنَى الْمُحْكَمِ، وَيُرَدَّ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ إلَى قَوْلِهِ :﴿ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِرَدِّ الْمُتَشَابِهِ إلَى الْمُحْكَمِ ؛ لِأَنَّ وَصْفَهُ لِلْمُحْكَمِ بِأَنَّهُ أُمُّ الْكِتَابِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مَحْمُولًا عَلَيْهِ، وَمَعْنَاهُ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ ؛ إذْ كَانَ أُمُّ الشَّيْءِ مَا مِنْهُ ابْتِدَاؤُهُ وَإِلَيْهِ مَرْجِعُهُ.
ثُمَّ ذَمَّ مَنْ اتَّبَعَ الْمُتَشَابِهَ، وَاكْتَفَى بِمَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ مِنْ تَأْوِيلِهِ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ لَهُ إلَى الْمُحْكَمِ، وَحَمْلِهِ عَلَى مُوَافَقَتِهِ فِي مَعْنَاهُ، وَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالزَّيْغِ فِي قُلُوبِهِمْ بِقَوْلِهِ :﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ ﴾ مُحْكَمٌ.
وَقَوْلَهُ :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾ مُتَشَابِهٌ وَجَبَ حَمْلُ مَعْنَاهُ عَلَى مَعْنَى الْمُحْكَمِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لَهُ


الصفحة التالية
Icon