غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِمَا ذَكَرُوا لِاحْتِمَالِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَخْذَ الدِّيَةِ بِرِضَى الْقَاتِلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً ﴾ وَالْمَعْنَى فِدَاءً بِرِضَى الْأَسِيرِ.
فَاكْتَفَى بِالْمَحْذُوفِ عَنْ ذِكْرِهِ لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِينَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَالِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْزَامُهُ إيَّاهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ.
كَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ ﴾.
وَقَوْلُهُ :﴿ أَوْ يُودَى ﴾ وَكَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِمَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى غَيْرِهِ : إنْ شِئْتَ فَخُذْ دَيْنَك دَرَاهِمَ، وَإِنْ شِئْتَ دَنَانِيرَ.
وَكَمَا ﴿ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِبِلَالٍ حِينَ أَتَاهُ بِتَمْرٍ : أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا ؟ فَقَالَ : لَا، وَلَكِنَّا نَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْهُ بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ : لَا تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ بِعْ تَمْرَكَ بِعَرْضٍ ثُمَّ خُذْ بِالْعَرْضِ هَذَا ﴾، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ أَنْ يَأْخُذَ التَّمْرَ بِالْعَرْضِ بِغَيْرِ رِضَى الْآخَرِ، وَيَكُونُ ذِكْرُهُ الدِّيَةَ إبَانَةً عَمَّا نَسَخَهُ اللَّهُ عَمَّا كَانَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ امْتِنَاعِ أَخْذِ الدِّيَةِ بِرِضَى الْقَاتِلِ، وَبِغَيْرِ رِضَاهُ تَخْفِيفًا عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ الْقِصَاصَ كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَخْذُ الدِّيَةِ فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ ".
وَيَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَخْذُ الدِّيَةِ بِرِضَى الْقَاتِلِ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَدْ رَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ فِيهِ :﴿ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقْتُلَ، وَإِمَّا أَنْ يُفَادِيَ ﴾.
وَالْمُفَادَاةُ إنَّمَا تَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ كَالْمُقَاتَلَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْمُشَاتَمَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ فِي سَائِرِ الْأَخْبَارِ أَخْذُ الدِّيَةِ بِرِضَى الْقَاتِلِ.
وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ تُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ :" إنَّ


الصفحة التالية
Icon