بَاب الْعَاقِلَةِ هَلْ تَعْقِلُ الْعَمْدَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ وَقَدْ قَدَّمْنَا تَأْوِيلَ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى عَفْوِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ الدَّمِ، وَوُجُوبِ الْأَرْشِ لِلْبَاقِينَ، وَاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْقَاتِلِ الَّذِي لَمْ يَعْفُ فِي مَالِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَمْدٍ فِيهِ الْقَوَدُ فَهُوَ عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ، كَالْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ، وَكَالْجِرَاحَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَلَا يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ نَحْوَ قَطْعِ الْيَدِ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ، وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْجَائِفَةِ، فَالْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ إذَا قَتَلَا أَنَّ عَلَى الْعَامِدِ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ، وَالْمُخْطِئِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ :" هِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ " وَهُوَ آخِرُ قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ :"، وَلَوْ قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ، وَلَا يَمِينَ لَهُ كَانَتْ دِيَةُ الْيَدِ فِي مَالِهِ، وَلَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ ".
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ :" هُوَ فِي مَالِ الْجَانِي فَإِنْ لَمْ يَبْلُغُ ذَلِكَ مَالُهُ حُمِلَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مُتَعَمِّدَةً، وَلَهَا مِنْهُ أَوْلَادٌ فَدِيَتُهُ فِي مَالِهَا خَاصَّةً، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ مَالُهَا حُمِلَ عَلَى عَاقِلَتِهَا " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : دَلَالَةُ الْآيَةِ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَسُقُوطَ الْقَوَدِ بِعَفْوِ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ يُوجِبُ الدِّيَةَ فِي مَالِ الْجَانِي ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾ وَهُوَ يَعْنِي الْقَاتِلَ إذَا كَانَ الْمَعْنَى عَفْوَ بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ، ثُمَّ قَالَ :﴿ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ يَعْنِي اتِّبَاعَ الْوَلِيِّ لِلْقَاتِلِ، ثُمَّ قَالَ :﴿ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ يَعْنِي أَدَاءَ الْقَاتِلِ، فَاقْتَضَى


الصفحة التالية
Icon