قَوْلِهِمْ : قَتْلُ الْبَعْضِ إحْيَاءٌ لِلْجَمِيعِ.
وَالْقَتْلُ أَقَلُّ لِلْقَتْلِ " وَهُوَ مَعَ قِلَّةِ عَدَدِ حُرُوفِهِ وَنُقْصَانِهَا عَمَّا حُكِيَ عَنْ الْحُكَمَاءِ قَدْ أَفَادَ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْكَلَامُ مَا لَيْسَ فِي قَوْلِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْقَتْلَ عَلَى وَجْهِ الْعَدْلِ لِذِكْرِهِ الْقِصَاصَ، وَانْتَظَمَ مَعَ ذَلِكَ الْغَرَضَ الَّذِي إلَيْهِ أُجْرِيَ بِإِيجَابِهِ الْقِصَاصَ، وَهُوَ الْحَيَاةُ.
وَقَوْلَهُمْ :" الْقَتْلُ أَقَلُّ لِلْقَتْلِ " وَقَتْلُ الْبَعْضِ إحْيَاءُ الْجَمِيعِ " وَ " الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ " إنْ حُمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَمْ يَصِحَّ مَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ قَتْلٍ هَذِهِ صِفَتُهُ، بَلْ مَا كَانَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ مَنْزِلَتَهُ، وَلَا حُكْمَهُ.
فَحَقِيقَةُ هَذَا الْكَلَامِ غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ، وَمَجَازُهُ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ وَبَيَانٍ فِي أَنَّ أَيَّ قَتْلٍ هُوَ إحْيَاءٌ لِلْجَمِيعِ.
فَهَذَا كَلَامٌ نَاقِصُ الْبَيَانِ مُخْتَلُّ الْمَعْنَى غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ فِي إفَادَةِ حُكْمِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ :﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ مُفِيدٌ لِحُكْمِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ مُقْتَضَى لَفْظِهِ مَعَ قِلَّةِ حُرُوفِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ أَقَلُّ حُرُوفًا مِنْ قَوْلِهِمْ :" قَتْلُ الْبَعْضِ إحْيَاءٌ لِلْجَمِيعِ " وَ " الْقَتْلُ أَقَلُّ لِلْقَتْلِ، وَأَنْفَى لِلْقَتْلِ " ؟ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى يَظْهَرُ فَضْلُ بَيَانِ قَوْلِهِ :﴿ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ﴾ عَلَى قَوْلِهِمْ :" الْقَتْلُ أَقَلُّ لِلْقَتْلِ، وَأَنْفَى لِلْقَتْلِ " أَنَّ فِي قَوْلِهِمْ تَكْرَارَ اللَّفْظِ، وَتِكْرَارُ الْمَعْنَى بِلَفْظِ غَيْرِهِ أَحْسَنُ فِي حَدِّ الْبَلَاغَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ تَكْرَارُ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ بِلَفْظَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي خِطَابٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَصِحُّ مِثْلُهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ نَحْوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ وَنَحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ : وَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنًا