وَقَدْ اُخْتُلِفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَأَجَازَهُ الْوَرَثَةُ قَبْلَ الْمَوْتِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ :" إذَا أَجَازُوهُ فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ حَتَّى يُجِيزُوهُ بَعْدَ الْمَوْتِ " وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٍ وَإِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ :" لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِيهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِمْ ".
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ :" إذَا اسْتَأْذَنَهُمْ فَكُلُّ وَارِثٍ بَائِنٌ عَنْ الْمَيِّتِ، مِثْلُ الْوَلَدِ الَّذِي قَدْ بَانَ عَنْ أَبِيهِ وَالْأَخِ وَابْنِ الْعَمِّ الَّذِينَ لَيْسُوا فِي عِيَالِهِ، فَإِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا، وَأَمَّا امْرَأَتُهُ وَبَنَاتُهُ اللَّاتِي لَمْ يَبِنَّ مِنْهُ، وَكُلَّ مَنْ فِي عِيَالِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ احْتَلَمَ فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا، وَكَذَلِكَ الْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ، وَمَنْ خَافَ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يُجِزْ لَحِقَهُ ضَرَرٌ مِنْهُ فِي قَطْعِ النَّفَقَةِ إنْ صَحَّ، فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا ".
وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ " فِي الْمَرِيضِ يَسْتَأْذِنُ وَرَثَتَهُ فِي الْوَصِيَّةِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ فَأَذِنُوا لَهُ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ اسْتَأْذَنَهُمْ فِي الصِّحَّةِ فَلَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إنْ شَاءُوا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذْنُهُمْ فِي حَالِ الْمَرَضِ لِأَنَّهُ يُحْجَبُ عَنْ مَالِهِ بِحَقِّهِمْ فَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ " وَقَوْلُ اللَّيْثِ فِي ذَلِكَ كَقَوْلِ مَالِكٍ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمْ إذَا أَجَازُوهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فِيهِ، وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ أَنَّهُمْ إذَا أَجَازُوهُ فِي الْحَيَاةِ جَازَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : عُمُومُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ ﴾ يَنْفِي جَوَازَ الْوَصِيَّةِ فِي كُلِّ حَالِ، فَلَمَّا خُصَّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " إلَّا أَنْ