وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ﴾ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي ضَمِيرِ كِنَايَتِهِ، فَقَالَ قَائِلُونَ :" هُوَ عَائِدٌ عَلَى الصَّوْمِ " وَقَالَ آخَرُونَ :" إلَى الْفِدْيَةِ ".
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ مُظْهَرَهُ قَدْ تَقَدَّمَ وَالْفِدْيَةُ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ، وَالضَّمِيرُ إنَّمَا يَكُونُ لِمُظْهَرٍ مُتَقَدِّمٍ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْفِدْيَةَ مُؤَنَّثَةٌ وَالضَّمِيرُ فِي الْآيَةِ لِلْمُذَكَّرِ فِي قَوْلِهِ :﴿ يُطِيقُونَهُ ﴾.
وَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْمُجَبِّرَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ يُكَلِّفُ عِبَادَهُ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَأَنَّهُمْ غَيْرُ قَادِرِينَ عَلَى الْفِعْلِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَلَا مُطِيقِينَ لَهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ مُطِيقٌ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِقَوْلِهِ :﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ﴾ فَوَصَفَهُ بِالْإِطَاقَةِ مَعَ تَرْكِهِ لِلصَّوْمِ وَالْعُدُولِ عَنْهُ إلَى الْفِدْيَةِ، وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ قَائِمَةٌ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا إذَا كَانَ الضَّمِيرُ هُوَ الْفِدْيَةُ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُطِيقًا لَهَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا وَعَدَلَ إلَى الصَّوْمِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ مَذْهَبِ الْمُجَبِّرَةِ فِي قَوْلِهِمْ " إنَّ اللَّهَ لَمْ يَهْدِ الْكُفَّارَ " لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ هُدًى لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى :﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾.


الصفحة التالية
Icon