مُخَيَّرًا بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْفِدْيَةِ ؛ وَبَيَّنَّا أَنَّ مَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ فَلَيْسَ الْقَوْلُ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ الرَّأْيِ وَإِنَّمَا يَكُونُ تَوْقِيفًا ؛ فَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ فِيمَا حَكَوْا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهَا مَحْمُولًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
وَقَدْ ثَبَتَ نَسْخُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ لَهُمْ بِهِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى فِي سِيَاقِ الْخِطَابِ ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ خِطَابٌ لِمَنْ تَضَمَّنَهُ أَوَّلُ الْآيَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ حُكْمُ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا خَافَتَا الضَّرَرَ لَمْ يَكُنِ الصَّوْمُ خَيْرًا لَهُمَا بَلْ مَحْظُورٌ عَلَيْهِمَا فِعْلُهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْشَيَا ضَرَرًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا فَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُمَا الْإِفْطَارُ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ تُرَادَا بِالْآيَةِ.
وَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ تَأَوَّلَ الْآيَةَ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ مِنْ الْقَائِلِينَ بِإِيجَابِ الْفِدْيَةِ وَالْقَضَاءِ أَنَّ اللَّهِ تَعَالَى سَمَّى هَذَا الطَّعَامَ فِدْيَةً، وَالْفِدْيَةُ مَا قَامَ مَقَامَ الشَّيْءِ وَأَجْزَأَ عَنْهُ فَغَيْرُ جَائِزٍ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ اجْتِمَاعُ الْقَضَاءِ وَالْفِدْيَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إذَا وَجَبَ فَقَدْ قَامَ مَقَامَ الْمَتْرُوكِ فَلَا يَكُونُ الْإِطْعَامُ فِدْيَةً، وَإِنْ كَانَ فِدْيَةً صَحِيحَةً فَلَا قَضَاءَ ؛ لِأَنَّ الْفِدْيَةَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَقَامَتْ مَقَامَهُ.
فَإِنْ قِيلَ : مَا الَّذِي يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ وَالْإِطْعَامُ قَائِمَيْنِ مَقَامَ الْمَتْرُوكِ ؟ قِيلَ لَهُ : لَوْ كَانَ مَجْمُوعُهُمَا قَائِمَيْنِ مَقَامَ الْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّوْمِ لَكَانَ الْإِطْعَامُ بَعْضَ الْفِدْيَةِ وَلَمْ يَكُنْ جَمِيعَهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ سَمَّى ذَلِكَ فِدْيَةً، وَتَأْوِيلُكَ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الْآيَةِ.
وَأَيْضًا إذَا كَانَ الْأَصْلُ الْمُبِيحُ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الْإِفْطَارَ وَالْمُوجِبُ عَلَيْهِمَا