بِالصَّوْمِ غَيْرَ مُرَخَّصٍ لَهُ فِي تَرْكِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ.
وَلَا خِلَافَ أَنَّ كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْخِطَابِ بِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ الْمَجْنُونُ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ فِي الشَّهْرِ لَمْ يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ الْخِطَابُ بِالصَّوْمِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ ؛ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَحْتَلِمَ ﴾ وَرَفْعُ الْقَلَمِ هُوَ إسْقَاطُ التَّكْلِيفِ عَنْهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ الْجُنُونَ مَعْنًى يَسْتَحِقُّ بِهِ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ إذَا دَامَ بِهِ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ إذَا دَامَ بِهِ الشَّهْرُ كُلُّهُ فِي سُقُوطِ فَرْضِ الصَّوْمِ.
وَيُفَارَقُ الْإِغْمَاءُ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْوِلَايَةَ بِالْإِغْمَاءِ إنْ طَالَ، وَفَارَقَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْمَجْنُونَ وَالصَّغِيرَ وَأَشْبَهَ الْإِغْمَاءُ النَّوْمَ فِي بَابِ نَفْيِ وِلَايَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَا يَصِحُّ خِطَابُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ كَمَا لَا يَصِحُّ خِطَابُ الْمَجْنُونِ وَالتَّكْلِيفُ زَائِلٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْقَضَاءُ بِالْإِغْمَاءِ.
قِيلَ لَهُ : الْإِغْمَاءُ وَإِنْ مَنَعَ الْخِطَابَ بِالصَّوْمِ فِي حَالِ وُجُودِهِ فَإِنَّ لَهُ أَصْلًا آخَرَ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ قَوْلُهُ :﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْمَرِيضِ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ جَائِزٌ سَائِغٌ.
فَوَجَبَ اعْتِبَارُ عُمُومِهِ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِهِ حَالَ الْإِغْمَاءِ ؛ وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْمَرِيضِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيمَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ.
وَأَمَّا مَنْ أَفَاقَ مِنْ جُنُونِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الشَّهْرِ، فَإِنَّمَا أَلْزَمُوهُ الْقَضَاءَ


الصفحة التالية
Icon