وَفِيهَا حُكْمٌ آخَرُ : وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِدُخُولِ الشَّهْرِ لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُهُ، وَيَحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ قَالَ : فَإِنَّمَا أَلْزَم الْفَرْضَ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلُهُ ﴿ فَمَنْ شَهِدَ ﴾ بِمَعْنَى شَاهَدَ وَعَلِمَ، فَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ غَيْرُ مُؤَدٍّ لِفَرْضِهِ، وَذَلِكَ كَنَحْوِ مَنْ يَصُومُ رَمَضَانَ عَلَى شَكٍّ ثُمَّ يَصِيرُ إلَى الْيَقِينِ وَلَا اشْتِبَاهَ، كَالْأَسِيرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا صَامَ شَهْرًا فَإِذَا هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَقَالُوا : لَا يُجْزِئُ مَنْ كَانَ هَذَا وَصْفَهُ ؛ وَيُحْكَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ.
وَعَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ يُجْزِئُ، وَالْآخَرُ : أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْأَسِيرِ إذَا أَصَابَ عَيْنَ رَمَضَانَ :" أَجْزَأَهُ " وَكَذَلِكَ إذَا أَصَابَ شَهْرًا بَعْدَهُ.
وَأَصْحَابُنَا يُجِيزُونَ صَوْمَهُ بَعْدَ أَنْ يُصَادِفَ عَيْنَ الشَّهْرِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى شَهْرًا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ رَمَضَانَ ثُمَّ صَارَ إلَى الْيَقِين وَلَا اشْتِبَاهَ أَنَّهُ رَمَضَانَ أَنَّهُ يُجْزِيهِ، وَكَذَلِكَ إذَا تَحَرَّى وَقْتَ صَلَاةٍ فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَصَلَّى عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ الْوَقْتُ يُجْزِيهِ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ وَإِنْ احْتَمَلَ الْعِلْمُ بِهِ فَغَيْرُ مَانِعٍ مِنْ جَوَازِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي لُزُومِهِ وَمَنْعِ تَأْخِيرِهِ، وَأَمَّا نَفْيُ الْجَوَازِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ مِنْ مَنْعِ جَوَازِهِ لَوَجَبَ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ، وَهُوَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِرَمَضَانَ الْقَضَاءَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشَاهِدْ الشَّهْرَ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَلَمَّا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى لُزُومِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ


الصفحة التالية
Icon