إنَّمَا حَرَّمَا الْمِيرَاثَ لِلتُّهْمَةِ فِي إحْرَازِ الْمِيرَاثِ بِقَتْلِهِ فَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَظْهَرَ رَمْيَ غَيْرِهِ وَهُوَ قَاصِدٌ بِهِ قَتْلَهُ لِئَلَّا يُقَادَ مِنْهُ وَلَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثَ، فَلَمَّا كَانَتْ التُّهْمَةُ مَوْجُودَةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الْعَمْدِ وَشِبْهِهِ وَأَيْضًا تَوْرِيثُهُ بَعْضَ الْمِيرَاثِ دُونَ بَعْضٍ خَارِجٌ مِنْ الْأُصُولِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا أَنَّ مَنْ وَرِثَ بَعْضَ تَرِكَةٍ وَرِثَ جَمِيعَهَا وَمَنْ حُرِمَ بَعْضُهَا حُرِمَ جَمِيعُهَا.
وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابُنَا : إنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يُحْرَمَانِ الْمِيرَاثَ بِالْقَتْلِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُكَلَّفَيْنِ، وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ فِي الْأُصُولِ فَأُجْرِيَ قَاتِلُ الْخَطَإِ مَجْرَاهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِقَابَ بِقَتْلِ الْخَطَإِ تَغْلِيظًا لِأَمْرِ الدَّمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَصَدَ الْقَتْلَ بِرَمْيِهِ أَوْ بِضَرْبِهِ وَأَنَّهُ أَوْهَمَ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِغَيْرِهِ فَأُجْرِيَ فِي ذَلِكَ مَجْرَى مَنْ عَلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْهُمَا ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقَّانِ الدَّمَ، قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ : عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَنْتَبِهَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ﴾.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَظَاهِرُ هَذَا الْخَبَرِ يَقْتَضِي سُقُوطَ حُكْمِ قَتْلِهِ رَأْسًا مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ، وَلَوْلَا قِيَامُ الدَّلَالَةِ لَمَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ أَيْضًا.
فَإِنْ قِيلَ : فَإِنَّهُ يُحْرَمُ النَّائِمُ الْمِيرَاثَ إذَا انْقَلَبَ عَلَى صَبِيِّ فَقَتَلَهُ ؟ قِيلَ لَهُ : هُوَ مِثْلُ قَاتِلِ الْخَطَإِ يَجُوزَ أَنْ يَكُونَ أَظْهَرَ أَنَّهُ نَائِمٌ وَلَمْ يَكُنْ نَائِمًا فِي الْحَقِيقَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْعَادِلِ إذَا قَتَلَ الْبَاغِيَ حُرِمَ الْمِيرَاثَ، فَلَا وَجْه لَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِحَقٍّ وَقَدْ كَانَ الْبَاغِي مُسْتَحِقًّا لِلْقَتْلِ، فَغَيْرُ


الصفحة التالية
Icon