غَيْرُ مُجْزِيَةٍ عَنْ فَرْضِ الْعُمْرَةِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهَا فَرْضًا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَفْرُوضَةً لَمَا قَالَ :﴿ عُمْرَتُكُمْ هَذِهِ لِلْأَبَدِ ﴾ وَفِيهِ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِمْ غَيْرَهَا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يُتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ لَيْسَ بِعُمْرَةٍ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجُّ عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى تَحَلَّلَ مِنْهُ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ، أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا.
وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ بِأَنَّ الْفُرُوضَ مَخْصُوصَةٌ بِأَوْقَاتٍ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِوُجُودِهَا كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، فَلَوْ كَانَتْ الْعُمْرَةُ فَرْضًا لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَخْصُوصَةً بِوَقْتٍ، فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ مَخْصُوصَةً بِوَقْتٍ كَانَتْ مُطْلَقَةَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهَا مَتَى شَاءَ، فَأَشْبَهَتْ الصَّلَاةَ التَّطَوُّعَ وَالصَّوْمَ النَّفَلَ.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّ الْحَجَّ النَّفَلَ مَخْصُوصٌ بِوَقْتٍ وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِهِ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا لَا يَلْزَمُ ؛ لِأَنَّا قُلْنَا إنَّ مِنْ شَرْطِ الْفُرُوضِ الَّتِي تَلْزَمُ كُلَّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ كَوْنَهَا مَخْصُوصَةٌ بِأَوْقَاتٍ، وَمَا لَيْسَ مَخْصُوصًا بِوَقْتٍ فَلَيْسَ بِفَرْضٍ، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ النَّوَافِلِ مَخْصُوصًا بِوَقْتٍ وَبَعْضُهَا مُطْلَقٌ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِوَقْتٍ ؛ فَكُلُّ مَا كَانَ غَيْرَ مَخْصُوصٍ بِوَقْتٍ فَهُوَ نَافِلَةٌ وَمَا هُوَ مَخْصُوصٌ بِوَقْتٍ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ : مِنْهُ فَرْضٌ، وَمِنْهُ نَفْلٌ.
وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَثَرِ، مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْخُشَنِيّ قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَمِّهِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ


الصفحة التالية
Icon