وَتَعْتَمِرَ } فَإِنَّ النَّوَافِلَ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ مِنْ شَرَائِعِهِ ؛ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْإِسْلَامَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ خَصْلَةً مِنْهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ.
وَأَمَّا قَوْلُ صُبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ لِعُمَرَ :" وَجَدْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ " وَسُكُوتُ عُمَرَ عَنْهُ وَتَرْكُهُ النَّكِيرَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا قَالَ هُمَا مَكْتُوبَانِ عَلَيَّ وَلَمْ يَقُلْ مَكْتُوبَتَانِ عَلَى النَّاسِ، فَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَذَرَهُمَا فَصَارَا مَكْتُوبَيْنِ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ تَأْوِيلًا مِنْهُ لِلْآيَةِ، وَفِيهَا مَسَاغٌ لِلتَّأْوِيلِ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ عُمَرُ لِاحْتِمَالِهَا لَهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ النَّكِيرَ ؛ إذْ كَانَ الِاجْتِهَادُ سَائِغًا فِيهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ الْحَجِّ عَنْ أَبِيهِ وَقَوْلُهُ ﴿ حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ ﴾ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى وُجُوبِهَا لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْإِيجَابِ ؛ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبِيهِ وَلَا أَنْ يَعْتَمِرَ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ لِإِيجَابِ الْعُمْرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ﴾ لِأَنَّهَا خَيْرٌ، فَظَاهِرُ اللَّفْظِ يَقْتَضِي إيجَابَ جَمِيعِ الْخَيْرِ.
وَهَذَا يَسْقُطُ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ يُحْتَاجُ أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ فِعْلَ الْعُمْرَةِ مَعَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا خَيْرٌ لِأَنَّ مَنْ لَا يَرَاهَا وَاجِبَةً فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَفْعَلَهَا عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَلَوْ فَعَلَهَا عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَيْرًا، كَمَنْ صَلَّى تَطَوُّعًا وَاعْتَقَدَ فِيهِ الْفَرْضَ.
وَآخَرُ : وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ﴾ لَفْظٌ مُجْمَلٌ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمُجْمَلِ الَّذِي لَا يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُهُ بِوُرُودِ اللَّفْظِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الصَّلَاةُ