مُفِيدًا لِلْحُكْمِ فِي الْأَمْرَيْنِ.
وَلَوْ كَانَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى تَخْصِيصَ الْعَدُوِّ بِذَلِكَ دُونَ الْمَرَضِ لَذَكَرَ لَفْظًا يَخْتَصُّ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ ؛ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ اسْمًا لِلْمَعْنَيَيْنِ لَمْ يَكُنْ نُزُولَهُ عَلَى سَبَبٍ مُوجِبًا لِلِاقْتِصَارِ بِحُكْمِهِ عَلَيْهِ، بَلْ كَانَ الْوَاجِبُ اعْتِبَارَ عُمُومِ اللَّفْظِ دُونَ السَّبَبِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا مُسَدِّدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ حَجَّاجِ الصَّوَّافِ قَالَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ ﴾ قَالَ عِكْرِمَةُ : فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَا : صَدَقَ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَقَدْ حَلَّ فَقَدْ جَازَ لَهُ أَنْ يَحِلَّ، كَمَا يُقَالُ : حَلَّتْ الْمَرْأَةُ لِلزَّوْجِ، يَعْنِي جَازَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ.
فَإِنْ قِيلَ : رَوَى حَمَّادُ وَابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُحْصَرِ يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ :" فَإِذَا بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ حَلَّ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ " وَقَالَ :" رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْقَصَاصِ مِنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ الْعَدُوَّ أَنَّ عَلَيْهِ حَجًّا مَكَانَ حَجٍّ وَإِحْرَامًا مَكَانَ إحْرَامٍ ".
فَزَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ عِكْرِمَةَ هَذَا الْحَدِيثُ لَمَا كَانَ قَالَ :" يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ " وَلَقَالَ :" يَحِلُّ " كَمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ.
وَهَذَا الْقَائِلُ إنَّمَا غَلَطَ حِينَ ظَنَّ أَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ :" حَلَّ " وُقُوعُ الْإِحْلَالِ بِنَفْسِ الْإِحْصَارِ ؛ وَلَيْسَ هُوَ كَمَا ظَنَّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَحِلَّ كَمَا ذَكَرْنَا مِثْلَهُ فِيمَا يُطْلِقُهُ النَّاسُ مِنْ قَوْلِهِمْ :" حَلَّتْ الْمَرْأَةُ لِلْأَزْوَاجِ " يُرِيدُونَ بِهِ : قَدْ جَازَ لَهَا أَنْ تَحِلَّ بِالتَّزْوِيجِ.


الصفحة التالية
Icon