بَاب فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ فَأَوْجَبَ الْعِدَّةَ فِي أَيَّامٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ فِي الْآيَةِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَصُومَ أَيَّ وَقْتٍ يَشَاءُ " وَلَا يُحْفَظُ عَنْهُمْ رِوَايَةٌ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِهِ إلَى انْقِضَاءِ السَّنَةِ.
وَاَلَّذِي عِنْدِيّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إلَى أَنْ يَدْخُلَ رَمَضَانُ آخَرُ، وَهُوَ عِنْدِي عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ إذَا كَانَ غَيْرَ مُوَقَّتٍ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَضَاءُ رَمَضَانَ مُوَقَّتًا بِالسَّنَةِ لَمَا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْ ثَانِي يَوْمِ الْفِطْرِ، إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَلْحَقَهُ التَّفْرِيطُ بِالتَّأْخِيرِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ مِنْهُ بِآخِرِ وَقْتِ وُجُوبِ الْفَرْضِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ وُرُودُ الْعِبَارَةِ بِفَرْضٍ مَجْهُولٍ عِنْدَ الْمَأْمُورِ ثُمَّ يَلْحَقُهُ التَّعْنِيفُ وَاللَّوْمُ بِتَرْكِهِ قَبْلَ الْبَيَانِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مَذْهَبَهُمْ جَوَازُ تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانِ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ إمْكَانِ قَضَائِهِ، ثَبَتَ أَنَّ تَأْخِيرَهُ مُوَقَّتٌ بِمُضِيِّ السَّنَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ وَقْتِ الظُّهْرِ لَمَّا كَانَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ مَعْلُومَيْنِ جَازَ وُرُودُ الْعِبَادَةِ بِفِعْلِهَا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَجَازَ تَأْخِيرُهَا إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُخَافُ فَوْتُهَا بِتَرْكِهَا ؛ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا الَّذِي يَكُونُ مُفَرَّطًا بِتَأْخِيرِهَا مَعْلُومٌ.
وَقَدْ رُوِيَ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ فِي السَّنَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ ؛ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ :" إنْ كَانَ لِيَكُونَ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَمَا اُسْتُطِيعَ أَنْ أَقْضِيَهُ حَتَّى يَأْتِيَ شَعْبَانُ ".
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا :" لَا


الصفحة التالية
Icon