رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } وَأَوْ لِلتَّخْيِيرِ هَذَا حَقِيقَتُهَا وَبَابُهَا، إلَّا أَنْ تَقُومَ الدَّلَالَةُ عَلَى غَيْرِ هَذَا فِي الْإِثْبَاتِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَوَاضِعَ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَوْضِعِ الْفِدْيَةِ مِنْ الدَّمِ وَالصَّدَقَةِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِمَوْضِعٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَصُومَ فِي أَيِّ مَوْضِعِ شَاءَ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ :" الدَّمُ بِمَكَّةَ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ حَيْثُ شَاءَ ".
وَقَالَ مَالِكٌ بْنُ أَنَسِ :" الدَّمُ وَالصَّدَقَةُ وَالصِّيَامُ حَيْثُ شَاءَ ".
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :" الصَّدَقَةُ وَالدَّمُ بِمَكَّةَ وَالصِّيَامُ حَيْثُ شَاءَ ".
فَظَاهِرُ قَوْلِ :﴿ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ﴾ يَقْتَضِي إطْلَاقُهَا حَيْثُ شَاءَ الْمُفْتَدِي غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِمَوْضِعِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْآي دَلَالَةٌ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِالْحَرَمِ وَهُوَ قَوْلُهُ :﴿ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ يَعْنِي الْأَنْعَامَ الَّتِي قَدَّمَ ذِكْرَهَا، ثُمَّ قَالَ :﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ وَذَلِكَ عَامٌّ فِي سَائِرِ الْأَنْعَامَ الَّتِي تُهْدَى إلَى الْبَيْتِ ؛ فَوَجَبَ بِعُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كُلِّ هَدْيٍ مُتَقَرَّبٍ بِهِ مَخْصُوصٌ بِالْحَرَمِ لَا يُجْزِي فِي غَيْرِهِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ : قَوْله تَعَالَى ﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ وَذَلِكَ جَزَاءُ الصَّيْدِ، فَصَارَ بُلُوغُ الْكَعْبَةِ صِفَةً لِلْهَدْيِ وَلَا يُجْزِئُ دُونَهَا.
وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ ذَلِكَ ذَبْحًا تَعَلَّقَ وُجُوبُهُ بِالْإِحْرَامِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِالْحَرَمِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَهَدْي الْمُتْعَةِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا ﴿ قَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ : أَوْ اذْبَحْ شَاةً ﴾ وَلَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ مَكَانَا، وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مَخْصُوصًا بِمَوْضِعٍ.
قِيلَ لَهُ : إنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَصَابَهُ ذَلِكَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَبَعْضُهَا مِنْ الْحِلِّ وَبَعْضُهَا مِنْ الْحَرَمِ، فَجَائِزٌ