مَنَازِلِهِمْ، كَمَا أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ إذَا أَرَادُوا الْإِحْرَامِ أَحْرَمُوا مِنْ مَنَازِلِهِمْ ؛ فَيَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ ؛ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي شَأْنِ الْبُدْنِ :﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿ مِنًى مَنْحَرٌ وَفِجَاجُ مَكَّةَ مَنْحَرٌ ﴾.
فَكَانَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى بِذِكْرِ الْبَيْتِ مَا قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مِنْهَا.
وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ﴾ وَهِيَ مَكَّةُ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا.
فَهَاتَانِ الْمُتْعَتَانِ قَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهُمَا، وَهُمَا الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ.
وَأَمَّا الْمُتْعَةُ الثَّالِثَةُ فَإِنَّهَا عَلَى قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ " أَنْ يُحْصَرَ الْحَاجُّ الْمُفْرِدُ بِمَرَضٍ أَوْ أَمْرٍ يَحْبِسُهُ فَيَقْدُمُ فَيَجْعَلُهَا عُمْرَةً وَيَتَمَتَّعُ بِحَجَّةٍ إلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَيَحُجُّ "، فَهَذَا الْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ ؛ فَكَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمُحْصَرَ لَا يُحِلُّ وَلَكِنَّهُ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَذْبَحَ عَنْهُ الْهَدْيَ يَوْمَ النَّحْرِ يَوْمَ يَحْلِقُ، وَيَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَقْدُمَ مَكَّةَ فَيَتَحَلَّلُ مِنْ حَجِّهِ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ.
وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ ﴾ ثُمَّ قَالَ :﴿ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ﴾ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِيمَا أَبَاحَ مِنْ الْإِحْلَالِ بِالْحَلْقِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ هَذَا الْحَلْقَ لِلْإِحْلَالِ مِنْ الْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ ؛ ﴿ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حِينَ أُحْصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ حَلَقَ هُوَ وَحَلَّ وَأَمَرَهُمْ بِالْإِحْلَالِ ﴾.
وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ عَمَلَ الْعُمْرَةِ الَّذِي يَلْزَمُ بِالْفَوَاتِ لَيْسَ بِعُمْرَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلُ


الصفحة التالية
Icon