فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ } مِنْ أَحَدِ مَعَانٍ : إمَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ عُمْدَةٌ لِلْحَجِّ، وَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجًّا وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ :﴿ الْحَجُّ عَرَفَةَ ﴾.
أَوْ أَنْ يُرِيدَ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ أَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِعْلَ الْحَجِّ الَّذِي لَا يَصِحُّ إلَّا بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ بَعْدُ الزَّوَالِ وَيَسْتَحِيلُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ فِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ ؛ فَبَطَلَ هَذَا الْوَجْهُ وَبَقِيَ مِنْ وُجُوهِ الِاحْتِمَالِ فِي إحْرَامِ الْحَجِّ أَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي جَوَازَ فِعْلِهِ بِوُجُودِ أَيِّهِمَا كَانَ لِمُطَابَقَتِهِ اللَّفْظَ فِي الْآيَةِ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ :﴿ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ﴾ مَعْلُومٌ أَنَّ جَوَازَهُ مُعَلَّقٌ بِوُجُودِ سَبَبِهِ لَا بِوُجُوبِهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودًا عِنْدَ إحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ وَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ خِلَافَ الْآيَةِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ﴾ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ تَقْدِيمِهَا عَلَى الْقَتْلِ لِوُجُودِ الْجِرَاحَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿ لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ﴾ لَمْ يَمْنَعْ جَوَازَ تَعْجِيلِهَا لِوُجُودِ سَبَبِهَا وَهُوَ النِّصَابُ، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ﴾ غَيْرُ مَانِعٍ جَوَازَ تَعْجِيلِهِ لِأَجْلِ وُجُودِ سَبَبِهِ الَّذِي بِهِ جَازَ فِعْلُهُ فِي الْحَجِّ.
فَإِنْ قِيلَ : لَمْ نَجِدْ بَدَلًا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَقْتِ الْمُبْدَلِ عَنْهُ، وَلَمَّا كَانَ الصَّوْمُ بَدَلًا مِنْ الْهَدْيِ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الْآيَةِ لِأَنَّ نَصَّ التَّنْزِيلِ قَدْ أَجَازَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَأَيْضًا فَإِنَّا


الصفحة التالية
Icon