وَأَمَّا قَوْلُكَ " إنَّ ذِكْرَ عَرَفَاتٍ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ :﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ﴾ فَلَا يَكُونُ لِقَوْلِهِ :﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾ وَجْهٌ " فَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ﴾ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى إيجَابِ الْوُقُوفِ، وَقَوْلَهُ :﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾ هُوَ أَمْرٌ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ يَقِفُ بِعَرَفَةَ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَدْ أَفَادَ بِهِ مِنْ إيجَابِ الْوُقُوفِ مَا لَمْ يَتَضَمَّنْهُ قَوْلُهُ :﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ﴾ إذْ لَا دَلَالَةَ فِي قَوْلِهِ :﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ﴾ عَلَى فَرْضِ الْوُقُوفِ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ اُقْتُصِرَ عَلَى قَوْلِهِ :﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ﴾ لَكَانَ جَائِزًا أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّهُ خِطَابٌ لِمَنْ كَانَ يَقِفُ بِهَا دُونَ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَرَى الْوُقُوفَ بِهَا، فَيَكُونُ التَّارِكُونَ لِلْوُقُوفِ عَلَى جُمْلَةِ أَمْرِهِمْ فِي الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ دُونَ عَرَفَاتٍ، فَأَبْطَلَ ظَنَّ الظَّانِّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ :﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾ وَاتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ تَارِكَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لَا حَجَّ لَهُ، وَنَقَلَتْهُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْلًا وَعَمَلًا.
وَرَوَى بُكَيْر بْنُ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ : كَيْفَ الْحَجُّ ؟ قَالَ :﴿ الْحَجُّ يَوْمُ عَرَفَةَ، مَنْ جَاءَ عَرَفَةَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ الصُّبْحِ، أَوْ يَوْمَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ ﴾.
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضْرِسٍ الطَّائِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ بِالْمُزْدَلِفَةِ :﴿ مَنْ صَلَّى مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَوَقَفَ مَعَنَا هَذَا الْمَوْقِفَ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْل ذَلِكَ لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ ﴾.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَجَابِرٍ :" إذَا وَقَفَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ "، وَالْفُقَهَاءُ


الصفحة التالية
Icon