أَخْبَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَة فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ ﴾ وَذَلِكَ يَنْفِي رِوَايَةَ مَنْ شَرَطَ مَعَهُ الْوُقُوفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَأَظُنُّ الْأَصَمَّ وَابْنَ عُلَيَّةَ الْقَائِلَيْنِ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ.
وَاحْتَجُّوا فِيهِ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ، بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْحَجِّ وُقُوفَانِ وَاتَّفَقْنَا عَلَى فَرْضِيَّةِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ فَرْضًا ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَهُمَا فِي الْقُرْآنِ ؛ كَمَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الرُّكُوعَ، وَالسُّجُودَ كَانَا فَرْضَيْنِ فِي الصَّلَاةِ.
فَيُقَالُ لَهُ : أَمَّا قَوْلُكَ " إنَّهُمَا لَمَّا كَانَا مَذْكُورَيْنِ فِي الْقُرْآن كَانَا فَرْضَيْنِ " فَإِنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَذْكُورٍ فِي الْقُرْآنِ فَرْضًا، وَهَذَا خُلْفٌ مِنْ الْقَوْلِ.
وَعَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ الْوُقُوفَ وَإِنَّمَا قَالَ :﴿ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ﴾، وَالذِّكْرُ لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْوُقُوفُ فَرْضًا ؟ فَالِاحْتِجَاجُ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ سَاقِطٌ.
فَإِنْ كَانَ أَوْجَبَهُ قِيَاسًا عَلَى الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِالدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّةِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِهَذَا الْقِيَاسِ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ ؛ وَيُقَالُ لَهُ : أَلَيْسَ قَدْ طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ وَسَعَى، ثُمَّ طَافَ أَيْضًا يَوْمَ النَّحْرِ وَطَافَ لِلصَّدْرِ وَأَمَرَ بِهِ ؟ فَهَلْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الطَّوَافِ كُلِّهِ حُكْمٌ وَاحِدٌ فِي بَابِ الْإِيجَابِ ؟ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الطَّوَافِ نَدْبًا وَبَعْضُهُ وَاجِبًا، فَمَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْوُقُوفِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ بَعْضُهُ نَدْبًا وَبَعْضُهُ وَاجِبًا ؟.


الصفحة التالية
Icon