الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي السَّائِلِينَ عَنْ ذَلِكَ مَنْ هُمْ، فَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ :" إنَّ الْكُفَّارَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْعَيْبِ لِلْمُسْلِمِينَ بِاسْتِحْلَالِهِمْ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ".
وَقَالَ آخَرُونَ :" الْمُسْلِمُونَ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمُوا كَيْفَ الْحُكْمُ فِيهِ ".
وَقِيلَ : إنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ قَتْلُ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ مُشْرِكًا، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : قَدْ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ الْقِتَالَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ، فَأَعْلَمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بَقَاءَ حَظْرِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَأَرَى الْمُشْرِكِينَ مُنَاقَضَةً بِإِقَامَتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ مَعَ اسْتِعْظَامِهِمْ الْقَتْلَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، مَعَ أَنَّ الْكُفْرَ أَعْظَمُ الْإِجْرَامِ وَمَعَ إخْرَاجِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْهُ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ الْكُفَّارِ لِقَوْلِهِ :﴿ إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ فَأَعْلَمَهُمْ اللَّهُ أَنَّ الْكُفْرَ بِاَللَّهِ وَبِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْمَسْجِدَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِعِبَادَتِهِمْ إيَّاهُ فِيهِ، فَجَعَلُوهُ لِأَوْثَانِهِمْ وَمَنَعُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ كُفْرًا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَأَخْرَجُوا أَهْلَهُ مِنْهُ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْكُفَّارِ، فَأَعْلَمَهُمْ اللَّهُ أَنَّ الْكُفَّارَ مَعَ هَذَا الْإِجْرَامِ أَوْلَى بِالْعَيْبِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ.