سِوَاهَا غَيْرُ مُسَمًّى بِهَذَا الِاسْمِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُسَمِّي الْخَمْرَ سَبِيئَةً وَلَمْ تَكُنْ تُسَمِّي بِذَلِكَ سَائِرَ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ تَمْرِ النَّخْلِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُجْلَبُ إلَيْهَا مِنْ غَيْر بِلَادِهَا ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْأَعْشَى : وَسَبِيئَةٍ مِمَّا يُعَتِّقُ بَابِلُ كَدَمِ الذَّبِيحِ سَلَبْتهَا جَرْيًا لَهَا وَتَقُولُ : سَبَأْتُ الْخَمْرَ، إذَا شَرَيْتَهَا ؛ فَنَقَلُوا الِاسْمَ إلَى الْمَشْرِيِّ بَعْد أَنْ كَانَ الْأَصْلُ إنَّمَا هُوَ بِجَلْبِهَا مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ عَلَى عَادَتِهَا فِي الِاتِّسَاعِ فِي الْكَلَامِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ حُجَّةٌ فِيمَا قَالَ مِنْهَا فَقَالَ : دَعْ الْخَمْرَ تَشْرَبْهَا الْغُوَاةُ فَإِنَّنِي رَأَيْتُ أَخَاهَا مُغْنِيًا لِمَكَانِهَا فَإِنْ لَا تَكُنْهُ أَوْ يَكُنْهَا فَإِنَّهُ أَخُوهَا غَذَتْهُ أُمُّهُ بِلِبَانِهَا فَجَعَلَ غَيْرَهَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَخًا لَهَا بِقَوْلِهِ :" رَأَيْتُ أَخَاهَا مُغْنِيًا لِمَكَانِهَا " وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُسَمَّى خَمْرًا لَمَا سَمَّاهُ أَخًا لَهَا.
ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ : فَإِنْ لَا تَكُنْهُ أَوْ يَكُنْهَا فَإِنَّهُ أَخُوهَا فَأَخْبَرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ هُوَ.
فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ اسْمَ الْخَمْرِ مَخْصُوصٌ بِمَا وَصَفْنَا وَمَقْصُورٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّا وَجَدْنَا بَلْوَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِشُرْبِ الْأَشْرِبَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ التَّمْرِ، وَالْبُسْرِ كَانَتْ أَعَمَّ مِنْهَا بِالْخَمْرِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بَلْوَاهُمْ بِالْخَمْرِ خَاصَّةً قَلِيلَةً لِقِلَّتِهَا عِنْدَهُمْ، فَلَمَّا عَرَفَ الْكُلُّ مِنْ الصَّحَابَةِ تَحْرِيمَ النِّيّ الْمُشْتَدِّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَاهَا.
وَرُوِيَ عَنْ عُظَمَاءِ الصَّحَابَةِ مِثْلُ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِمْ شُرْبُ النَّبِيذِ الشَّدِيدِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ


الصفحة التالية
Icon