كُنَّا فِيهَا } مَجَازٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا مَا وُضِعَ اللَّفْظُ لَهُ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَهْلَهَا.
وَتَنْفَصِلُ الْحَقِيقَةُ مِنْ الْمَجَازِ بِأَنَّ مَا لَزِمَ مُسَمَّيَاتِهِ فَلَمْ يَنْتِفْ عَنْهُ بِحَالٍ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ، وَمَا جَازَ انْتِفَاؤُهُ عَنْ مُسَمَّيَاتِهِ فَهُوَ مَجَازٌ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ إذَا قُلْتَ :" إنَّهُ لَيْسَ لِلْحَائِطِ إرَادَةٌ " كُنْتَ صَادِقًا وَلَوْ قَالَ :" إنَّ اللَّهَ لَا يُرِيدُ شَيْئًا، وَالْإِنْسَانُ الْعَاقِلُ لَيْسَتْ لَهُ إرَادَةٌ " كَانَ مُبْطِلًا فِي قَوْلِهِ ؟ وَكَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ تَقُولَ :" إنَّ الْعَصِيرَ لَيْسَ بِخَمْرٍ " وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ :" إنَّ النِّيَّ الْمُشْتَدَّ مِنْ مَاء الْعِنَبِ لَيْسَ بِخَمْرٍ " وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي اللُّغَةِ، وَالشَّرْعِ.
وَالْأَسْمَاءُ الشَّرْعِيَّةُ فِي مَعْنَى أَسْمَاءِ الْمَجَازِ لَا تَتَعَدَّى بِهَا مَوَاضِعَهَا الَّتِي سُمِّيَتْ بِهَا، فَلَمَّا وَجَدْنَا اسْمَ الْخَمْرِ قَدْ يَنْتَفِي عَنْ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ سِوَى النِّيّ الْمُشْتَدِّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ، عَلِمْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَمْرٍ فِي الْحَقِيقَةِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ انْتِفَاءِ اسْمِ الْخَمْرِ عَمَّا وَصَفْنَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ :﴿ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَشْوَانَ فَقَالَ : أَشَرِبْتَ خَمْرًا ؟ فَقَالَ : وَاَللَّهِ مَا شَرِبْتُهَا مُنْذُ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ : فَمَاذَا شَرِبْتَ ؟ قَالَ : شَرِبْتُ الْخَلِيطَيْنِ ؛ فَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَلِيطَيْنِ يَوْمَئِذٍ ﴾.
فَنَفَى اسْمَ الْخَمْرِ عَنْ الْخَلِيطَيْنِ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِخَمْرٍ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ :" حُرِّمَتْ الْخَمْرُ وَمَا بِالْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ مِنْهَا شَيْءٌ " فَنَفَى اسْمَ الْخَمْرِ عَنْ أَشْرِبَةِ تَمْرِ النَّخْلِ مَعَ وُجُودِهَا عِنْدَهُمْ يَوْمَئِذٍ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :{ الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ