وَقَالَ أَصْحَابُنَا :" الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْطَارِ " وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ :" الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ أَحَبُّ إلَيْنَا لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ ".
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ :" إنْ صَامَ فِي السَّفَرِ أَجْزَأَهُ ".
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ أَفْضَلُ قَوْله تَعَالَى :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ إلَى قَوْلِهِ :﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ وَذَلِكَ عَائِدٌ إلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، إذَا كَانَ الْكَلَامُ مَعْطُوفًا بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَلَا يُخَصُّ شَيْءٌ مِنْهُ إلَّا بِدَلَالَةٍ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ صَوْمُ الْمُسَافِرِ خَيْرًا لَهُ مِنْ الْإِفْطَارِ.
فَإِنْ قِيلَ : هُوَ عَائِدٌ عَلَى مَا يَلِيهِ دُونَ مَا تَقَدَّمَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ :﴿ ' وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾.
قِيلَ لَهُ :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ ﴾ خِطَابَا لِلْجَمِيعِ مِنْ الْمُسَافِرِينَ وَالْمُقِيمِينَ، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ :﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ خِطَابًا لِجَمِيعِ مَنْ شَمِلَهُ الْخِطَابُ فِي ابْتِدَاءِ الْآيَةِ، غَيْرُ جَائِزٍ الِاقْتِصَارُ بِهِ عَلَى الْبَعْضِ.
وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُهُ عَنْ الْفَرْضِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الْخَيْرَاتِ، وَقَالَ اللَّهُ :﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ وَمَدَحَ قَوْمًا فَقَالَ :﴿ إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ فَالْمُسَارَعَةُ إلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَتَقْدِيمِهَا أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا.
وَأَيْضًا فِعْلُ الْفُرُوضِ فِي أَوْقَاتِهَا أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا إلَى غَيْرِهَا.
وَأَيْضًا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ فَلْيُعَجِّلْ ﴾ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَعْجِيلِ الْحَجِّ، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الْفَرَائِضِ الْمَفْعُولَةِ فِي وَقْتِهَا أَفْضَلَ مِنْ تَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا