فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَبَاحَ فِي أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ فَهُوَ فِي مَالِ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ بِطِيبَةِ أَنْفُسِهِمْ أَجْوَزُ ؛ وَنَظِيرُهُ فِي تَجْوِيزِهِ الْمُنَاهَدَةَ قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ أَهْلِ الْكَهْفِ :﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا ﴾ فَكَانَ الْوَرِقُ لَهُمْ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ :" بِوَرِقِكُمْ " فَأَضَافَهُ إلَى الْجَمَاعَةِ وَأَمْرَهُ بِالشِّرَاءِ لِيَأْكُلُوا جَمِيعًا مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ :﴿ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ قَدْ دَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ الْمُشَارَكَةِ، وَالْخُلْطَةِ، عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ بِمَا يَتَحَرَّى فِيهِ الْإِصْلَاحَ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ :﴿ فَإِخْوَانُكُمْ ﴾ قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ ؛ إذْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَى مَعُونَةِ أَخِيهِ وَتَحَرِّي مَصَالِحِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ﴾ فَقَدْ انْتَظَمَ قَوْلُهُ :" فَإِخْوَانُكُمْ " الدَّلَالَةَ عَلَى النَّدْبِ، وَالْإِرْشَادِ وَاسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بِمَا يَلِيهِ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ :﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ﴾ يَعْنِي بِهِ لِضَيَّقَ عَلَيْكُمْ فِي التَّكْلِيفِ فَيَمْنَعُكُمْ مِنْ مُخَالَطَةِ الْأَيْتَامِ، وَالتَّصَرُّفِ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَأَمَرَكُمْ بِإِفْرَادِ أَمْوَالِكُمْ عَنْ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ لَأَمَرَكُمْ عَلَى جِهَةِ الْإِيجَابِ بِالتَّصَرُّفِ لَهُمْ وَطَلَبِ الْأَرْبَاحِ بِالتِّجَارَاتِ لَهُمْ ؛ وَلَكِنَّهُ وَسَّعَ وَيَسَّرَ وَأَبَاحَ لَكُمْ التَّصَرُّفَ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ وَوَعَدَكُمْ الثَّوَابَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُلْزِمْكُمْ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْإِيجَابِ فَيُضَيِّقُ عَلَيْكُمْ، تَذْكِيرًا بِنِعَمِهِ وَإِعْلَامًا مِنْهُ الْيُسْرَ، وَالصَّلَاحَ لِعِبَادِهِ.
وَقَوْلُهُ :" فَإِخْوَانُكُمْ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ مُؤْمِنُونَ فِي الْأَحْكَامِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُمْ