بَابُ الْحَيْضِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ وَالْمَحِيضُ قَدْ يَكُونُ اسْمًا لِلْحَيْضِ نَفْسِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى بِهِ مَوْضِعُ الْحَيْضِ كَالْمَقِيلِ وَالْمَبِيتِ هُوَ مَوْضِعُ الْقَيْلُولَةِ وَمَوْضِعُ الْبَيْتُوتَةِ.
وَلَكِنْ فِي فَحْوَى اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحِيضِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هُوَ الْحَيْضُ، لِأَنَّ الْجَوَابَ وَرَدَ بِقَوْلِهِ :﴿ هُوَ أَذًى ﴾ وَذَلِكَ صِفَةٌ لِنَفْسِ الْحَيْضِ لَا لِلْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ.
وَكَانَتْ مَسْأَلَةُ الْقَوْمِ عَنْ حُكْمِهِ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِيهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَوْمٌ مِنْ الْيَهُودِ يُجَاوِرُونَهُمْ بِالْمَدِينَةِ وَكَانُوا يَجْتَنِبُونَ مُؤَاكَلَةَ النِّسَاءِ وَمُشَارَبَتَهُنَّ وَمُجَالَسَتَهُنَّ فِي حَالِ الْحَيْضِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَعْلَمُوا حُكْمَهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَأَجَابَهُمْ اللَّهُ بِقَوْلِهِ هَذَا :﴿ هُوَ أَذًى ﴾ يَعْنِي أَنَّهُ نَجَسٌ وَقَذَرٌ.
وَوَصْفُهُ لَهُ بِذَلِكَ قَدْ أَفَادَ لُزُومَ اجْتِنَابِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَالِمِينَ قَبْلَ ذَلِكَ بِلُزُومِ اجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ، فَأَطْلَقَ فِيهِ لَفْظًا عَقَلُوا مِنْهُ الْأَمْرَ بِتَجَنُّبِهِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَذَى اسْمٌ يَقَعُ عَلَى النَّجَاسَاتِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إذَا أَصَابَ نَعْلَ أَحَدِكُمْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهَا بِالْأَرْضِ وَلْيُصَلِّ فِيهَا فَإِنَّهُ لَهَا طَهُورٌ ﴾ فَسَمَّى النَّجَاسَةَ أَذًى، وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ :﴿ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ الْإِخْبَارَ عَنْ حَالِهِ فِي تَأَذِّي الْإِنْسَانِ بِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ الْإِخْبَارَ بِنَجَاسَتِهِ وَلُزُومِ اجْتِنَابِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ أَذًى نَجَاسَةً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ ﴾ وَالْمَطَرُ لَيْسَ بِنَجَسٍ، وَقَالَ :﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ﴾ وَإِنَّمَا كَانَ الْأَذَى


الصفحة التالية
Icon