" اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ " جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْجِمَاعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ النِّكَاحِ وَالْمُجَامَعَةِ، وَحَدِيثُ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَاضٍ عَلَيْهِ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيثَ أَنَسٍ إخْبَارًا عَنْ حَالِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَحَدِيثُ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ حَالِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ فِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحِلُّ مِنْ الْحَائِضِ، وَذَلِكَ لَا مَحَالَةَ بَعْدَ حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ عَمَّا يَحِلُّ مِنْهَا إلَّا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيمُ إتْيَانِ الْحَائِضِ.
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ كَانَ السُّؤَالُ فِي حَالِ نُزُولِ الْآيَةِ عَقِيبَهَا لَاكْتَفَى بِمَا ذَكَرَهُ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :" اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ ".
وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُؤَالَ عُمَرَ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ حَدِيثُ عُمَرَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ لَكَانَ حَدِيثُ عُمَرَ أَوْلَى بِالِاسْتِعْمَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَظْرِ الْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَفِي ظَاهِرِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْإِبَاحَةُ، وَالْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ إذَا اجْتَمَعَا فَالْحَظْرُ أَوْلَى.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ خَبَرَ عُمَرَ يَعْضُدُهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾، وَخَبَرُ أَنَسٍ يُوجِبُ تَخْصِيصَهُ، وَمَا يُوَافِقُ الْقُرْآنَ مِنْ الْأَخْبَارِ فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا يَخُصُّهُ.
وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ خَبَرَ أَنَسٍ مُجْمَلٌ عَامٌّ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ إبَاحَةِ مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ، وَخَبَرُ عُمَرَ مُفَسِّرٌ فِيهِ بَيَانٌ لِحُكْمِ الْمَوْضِعَيْنِ مِمَّا تَحْتَ الْإِزَارِ وَمَا فَوْقَهُ ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.


الصفحة التالية
Icon