وَاخْتُلِفَ فِي الْمُسَافِرِ يُفْطِرُ ثُمَّ يَقْدَمُ مِنْ يَوْمِهِ وَالْحَائِضُ تَتَطَهَّرُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ :" عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَيُمْسِكَانِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الصَّائِمُ " وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ فِي الْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا :" إنَّهُ يَصُومُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَيَقْضِي، وَلَوْ طَهُرَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ حَيْضِهَا فَإِنَّهَا تَأْكُلُ وَلَا تَصُومُ ".
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَرْأَةِ تَطْهُرُ وَالْمُسَافِرُ يَقْدُمُ وَقَدْ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ :" إنَّهُ يَأْكُلُ وَلَا يُمْسِكُ " وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ مِثْلُهُ، وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ :" مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ " وَلَمْ يَذْكُرْ سُفْيَانُ عَنْ نَفْسِهِ خِلَافَ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ :" لَوْ أَصْبَحَ يَنْوِي الْإِفْطَارَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَكُفُّ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَيَقْضِي، فَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكَلَ جُرْأَةً عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ، فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ غُمَّ عَلَيْهِ هِلَالُ رَمَضَانَ فَأَكَلَ ثُمَّ عَلِمَ بِهِ يُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الصَّائِمُ، كَذَلِكَ الْحَائِضُ وَالْمُسَافِرُ، وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَالَ الطَّارِئَةَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْإِفْطَارِ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي أَوَّلِ النَّهَارِ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِالصِّيَامِ، فَكَذَلِكَ إذَا طَرَأَتْ عَلَيْهِمْ وَهُمْ مُفْطِرُونَ أُمِرُوا بِالْإِمْسَاكِ.
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَيْضًا ﴿ أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآكِلِينَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ بِالْإِمْسَاكِ مَعَ إيجَابِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِمْ ﴾، فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي نَظَائِرِهِ مِمَّا وَصَفْنَا،