وَقَدْ تَنَازَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ﴾ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : إنَّ انْقِطَاعَ الدَّمِ يُوجِبُ إبَاحَةَ وَطْئِهَا ؛ وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُجَوِّزُ وَطْأَهَا إلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا :" إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا وَأَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْحَائِضِ حَتَّى تَغْتَسِلَ إذَا كَانَتْ وَاجِدَةً لِلْمَاءِ أَوْ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقْتُ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ هَذَيْنِ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَحَلَّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا إنْ كَانَتْ آخِرَ حَيْضَةٍ وَإِذَا كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةً ارْتَفَعَ حُكْمُ الْحَيْضِ بِمُضِيِّ الْعَشَرَةِ وَتَكُونُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ امْرَأَةٍ جُنُبٍ فِي إبَاحَةِ وَطْءِ الزَّوْجِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ وَطْأَهَا فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ عِنْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَانْقِطَاعِ دَمِهَا قَبْلَ الِاغْتِسَالِ بِقَوْلِهِ :﴿ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ وَ " حَتَّى " تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُ مَا بَعْدَهَا بِخِلَافِهَا، فَذَلِكَ عُمُومٌ فِي إبَاحَةِ وَطْئِهَا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ ﴿ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ ﴾ ﴿ وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ فَكَانَتْ هَذِهِ نِهَايَاتٌ لِمَا قُدِّرَ بِهَا، وَكَانَ حُكْمُ مَا بَعْدَهَا بِخِلَافِهَا، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿ حَتَّى يَطْهُرْنَ ﴾ إذَا قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ فَمَعْنَاهَا انْقِطَاعُ الدَّمِ.
وَقَالُوا : قَدْ قُرِئَ : حَتَّى يَطَّهَّرْنَ بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ مَا يَحْتَمِلُهُ قَوْلُهُ :" حَتَّى يَطْهُرْنَ " بِالتَّخْفِيفِ، فَيُرَادُ بِهِ انْقِطَاعُ الدَّمِ ؛ إذْ جَائِزٌ أَنْ يُقَالَ : طَهُرَتْ الْمَرْأَةُ وَتَطَهَّرَتْ، إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا، كَمَا يُقَالُ : تَقَطَّعَ الْحَبْلُ وَتَكَسَّرَ