وَقَدْ اُخْتُلِفَ أَيْضًا فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ سَوَاءٌ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالثَّوْرِيُّ :" هُوَ مُولٍ، فَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا فِي الْمُدَّةِ حَتَّى مَضَتْ بَانَتْ بِالْإِيلَاءِ ".
وَرَوَى عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :" كَانَ إيلَاءُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَوَقَّتَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَمَنْ كَانَ إيلَاؤُهُ دُونَ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُولٍ ".
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ :" إذَا حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِمُولٍ حَتَّى يَحْلِفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذَا قَوْلٌ يَدْفَعُهُ ظَاهِرُ الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ﴾ فَجَعَلَ هَذِهِ الْمُدَّةَ تَرَبُّصًا لِلْفَيْءِ فِيهَا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ التَّرَبُّصَ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ جِمَاعِهَا بِالْيَمِينِ هَذِهِ الْمُدَّةَ أَكْسَبَهُ ذَلِكَ حُكْمَ الْإِيلَاءِ الطَّلَاقَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلِفِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَبَيْنَهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا ؛ إذْ لَيْسَ لَهُ تَرَبُّصُ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْكِتَابِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُولِيًا فِي حَلِفِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَأَقَلَّ مِنْهَا وَأَكْثَرَ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْحَلِفِ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي الْآيَةِ، وَإِنَّمَا خَصَّصْنَا مَا دُونَهَا بِدَلَالَةٍ وَبَقِيَ حُكْمُ اللَّفْظِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَمَا فَوْقَهَا.
فَإِنْ قِيلَ : إذَا حَلَفَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ سَوَاءٍ لَمْ يَصِحَّ تَعَلُّقُ الطَّلَاقِ بِهَا ؛ لِأَنَّك تُوقِعُ الطَّلَاقَ بِمُضِيِّهَا وَلَا إيلَاءَ هُنَاكَ.
قِيلَ لَهُ : لَا يَمْتَنِعُ ؛ لِأَنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ إذَا كَانَ سَبَبًا لِلْإِيقَاعِ لَمْ يَجِبْ اعْتِبَارُ بَقَاءِ الْيَمِينِ فِي حَالِ وُقُوعِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مُضِيَّ الْحَوْلِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنْ يَكُونَ الْحَوْلُ مَوْجُودًا فِي حَالِ الْوُجُوبِ بَلْ يَكُونُ مَعْدُومًا مُنْقَضِيًا ؟


الصفحة التالية
Icon