وَلَكِنَّ الطُّهْرَ لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا وُجُودُهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ إذَا طَلَّقَهَا فِيهِ عَلَى مَجْرَى الْعَادَةِ جَازَ عِنْدَك رُجُوعُ الْكَلَامِ إلَيْهِ وَإِرَادَتُهُ بِاللَّفْظِ ؛ وَمَعَ ذَلِكَ فَجَائِزٌ أَنْ تَحِيضَ عَقِيبَ الطَّلَاقِ بِلَا فَصْلٍ، فَلَيْسَ إذًا فِي اللَّفْظِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ هُوَ الطُّهْرُ دُونَ الْحَيْضِ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ الطُّهْرِ فَحَاضَتْ عَقِيبَ الطَّلَاقِ بِلَا فَصْلٍ أَنَّ عِدَّتَهَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْحَيْضَ دُونَ الطُّهْرِ بِمُقْتَضَى لَفْظِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ إذْ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ ذِكْرُ حَيْضٍ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَلَا طُهْرٍ، فَإِذَا حَاضَتْ عَقِيبَ الطَّلَاقِ كَانَ ذَلِكَ عِدَّتَهَا.
ثُمَّ لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ فِي اعْتِبَارِ الْحَيْضِ بَيْنَ وُجُودِهِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَمُتَرَاخِيًا عَنْهُ، فَأَوْجَبَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ هُوَ الْمُعْتَدَّ بِهِ مِنْ الْأَقْرَاءِ دُونَ الطُّهْرِ.
فَإِنْ قِيلَ : الْحَيْضَةُ الْمَاضِيَةُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً بِالْخَبَرِ ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الطَّلَاقِ مِنْ الْحَيْضِ لَا يَكُونُ عِدَّةً.
قِيلَ لَهُ : إذَا كَانَتْ تَعْتَدُّ بِهِ بَعْدَ الطَّلَاقِ جَازَ أَنْ يُسَمِّيَهَا عِدَّةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ فَسَمَّاهُ زَوْجًا قَبْلَ النِّكَاحِ.
وَيَلْزَمُ مُخَالِفَنَا مِنْ ذَلِكَ مَا لَزِمَنَا ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الطُّهْرَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الطُّهْرَ الَّذِي بَعْدَ الطَّلَاقِ فَقَدْ سَمَّى الطُّهْرَ الَّذِي قَبْلَهُ عِدَّةً ؛ لِأَنَّهُ بِهِ تَعْتَدُّ عِنْدَك، فَمَا أَنْكَرْت أَنْ تُسَمَّى الْحَيْضَةُ الَّتِي قَبْلَ الطَّلَاقِ عِدَّةً إذْ كَانَتْ بِهَا تَعْتَدُّ ؟ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ﴾ فَإِنَّ الْإِحْصَاءَ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِالطُّهْرِ دُونَ الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذِي عَدَدٍ فَالْإِحْصَاءُ يَلْحَقُهُ.
فَإِنْ قِيلَ : إذَا كَانَ الَّذِي يَلِي الطَّلَاقَ هُوَ الطُّهْرَ وَقَدْ أُمِرْنَا بِالْإِحْصَاءِ، فَأَوْجَبَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْأَمْرُ


الصفحة التالية
Icon