لِأَنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا سَالَ وَلَا يَكُونُ حَيْضًا وَهُوَ فِي الرَّحِمِ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ هُوَ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالدَّمِ الْخَارِجِ فَمَا دَامَ فِي الرَّحِمِ فَلَا حُكْمَ لَهُ وَلَا مَعْنًى لِاعْتِبَارِهِ وَلَا ائْتِمَانِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَذَا صَحِيحٌ إذْ الدَّمُ لَا يَكُونُ حَيْضًا إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الرَّحِمِ ؛ وَلَكِنْ دَلَالَةُ الْآيَةِ قَائِمَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْحَيْضِ إنَّمَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى قَوْلِهَا ؛ إذْ لَيْسَ كُلُّ دَمٍ سَائِلٍ حَيْضًا وَإِنَّمَا يَكُونُ حَيْضًا بِأَسْبَابٍ أُخَرَ نَحْوَ الْوَقْتِ وَالْعَادَةِ وَبَرَاءَةِ الرَّحِمِ عَنْ الْحَبَلِ ؛ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَكَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ إنَّمَا تُعْلَمُ مِنْ جِهَتِهَا فَهِيَ إذَا قَالَتْ " قَدْ حِضْت ثَلَاثَ حِيَضٍ " فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِمُقْتَضَى الْآيَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَتْ " لَمْ أَرَ دَمًا وَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي " فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَتْ " قَدْ أَسْقَطْت سُقْطًا قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتِي " فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ وَإِنَّمَا التَّصْدِيقُ مُتَعَلِّقٌ بِحَيْضٍ قَدْ وُجِدَ وَدَمٌ قَدْ سَالَ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ لَا يَتَعَلَّقُ حُكْمُهُ بِلَوْنِ الدَّمِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا اُخْتُصَّتْ هِيَ بِالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِهَا دُونَنَا ؛ لِأَنَّهَا وَإِيَّانَا مُتَسَاوُونَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْأَلْوَانِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ غَيْرُ مُتَمَيِّزٍ بِلَوْنِهِ مِنْ لَوْنِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَأَنَّهُمَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ ؛ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ الْحَيْضَ بِلَوْنِ الدَّمِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا عِنْدَ سُقُوطِ اعْتِبَارِ لَوْنِ الدَّمِ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ وَقْتَ الْحَيْضِ وَالْعَادَةَ فِيهِ وَمِقْدَارَهُ وَأَوْقَاتِ الطُّهْرِ إنَّمَا يُعْلَمُ مِنْ جِهَتِهَا ؛ إذْ لَيْسَ كُلُّ دَمٍ حَيْضًا، وَكَذَلِكَ وُجُودُ الْحَمْلِ النَّافِي لِكَوْنِ الدَّمِ حَيْضًا وَإِسْقَاطُ سُقْطٍ، كُلُّ ذَلِكَ


الصفحة التالية
Icon