فَخَصَّصْنَا تَفْرِيقَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ بِدَلَالَةِ الِاتِّفَاقِ مَعَ اسْتِعْمَالِ حُكْمِ اللَّفْظِ ؛ وَمَتَى أَبَحْنَا التَّفْرِيقَ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَدَّى ذَلِكَ إلَى رَفْعِ حُكْمِ اللَّفْظِ رَأْسًا حَتَّى يَكُونَ ذِكْرُهُ لِلطَّلَاقِ مَرَّتَيْنِ وَتَرْكُهُ سَوَاءً ؛ وَهَذَا قَوْلٌ سَاقِطٌ مَرْدُودٌ.
وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ ذَلِكَ أَيْضًا بِحَدِيثِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ حِينَ ﴿ لَاعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ لِعَانِهِمَا قَالَ : كَذَبْت عَلَيْهَا إنْ أَمْسَكْتهَا هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يُفَرِّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا ﴾.
قَالَ : فَلَمَّا لَمْ يُنْكِرْ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيقَاعَ الثَّلَاثِ مَعًا، دَلَّ عَلَى إبَاحَتِهِ.
وَهَذَا الْخَبَرُ لَا يَصِحُّ لِلشَّافِعِيِّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ ؛ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْفُرْقَةَ قَدْ كَانَتْ وَقَعَتْ بِلِعَانِ الزَّوْجِ قَبْلَ لِعَانِ الْمَرْأَةِ فَبَانَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَلْحَقْهَا طَلَاقٌ، فَكَيْفَ كَانَ يُنْكِرُ عَلَيْهَا طَلَاقًا لَمْ يَقَعْ وَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ.
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا وَجْهُهُ عَلَى مَذْهَبِك ؟ قِيلَ لَهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسَنَّ الطَّلَاقُ لِلْعِدَّةِ وَمَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّطْلِيقَاتِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَائِزٌ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ الْفُرْقَةُ لَمَّا كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الطَّلَاقِ، لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ إيقَاعَهَا بِالطَّلَاقِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ سُنَّةُ الطَّلَاقِ أَنْ لَا يُطَلِّقَ إلَّا وَاحِدَةً، وَهُوَ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَاللَّيْثِ وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَالْأَوْزَاعِيُّ ؛ فَإِنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الثَّلَاثِ فِي الْأَطْهَارِ الْمُتَفَرِّقَةِ قَوْله تَعَالَى :﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ وَفِي ذَلِكَ إبَاحَةٌ لِإِيقَاعِ الِاثْنَتَيْنِ ؛ وَلَمَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْمَعُهُمَا