لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ وَمَعْنَاهُ : فَعَدَدٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ؛ يَدُلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ ﴾ يَعْنِي الْعَدَدَ.
وَإِذَا كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءَ الْعَدَدِ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، لَمْ يَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَلَا النُّقْصَانُ مِنْهُ، سَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي يَقْضِيهِ نَاقِصًا أَوْ تَامًّا، فَإِنْ قِيلَ : إنْ كَانَ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ شَهْرًا، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ ؛ الشَّهْرُ ثَلَاثُونَ ﴾ فَأَيُّ شَهْرٍ أَتَى بِهِ فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ شَهْرٌ بِشَهْرٍ، قِيلَ لَهُ : لَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى : فَشَهْرٌ مِنْ أَيَّامِ أُخَرَ وَإِنَّمَا قَالَ ﴿ : فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ فَأَوْجَبَ اسْتِيفَاءُ عَدَدِ مَا أَفْطَرَ، فَوَجَبَ اتِّبَاعُ ظَاهِرِ الْآيَةِ وَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَى مَعْنًى غَيْرِ مَذْكُورٍ، وَيَدُلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ﴾ يَعْنِي الْعَدَدَ ؛ فَإِذَا كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ ثَلَاثِينَ فَعَلَيْهِ إكْمَالُ عَدَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى شَهْرٍ هُوَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ لَمَا كَانَ مُكْمِلًا لِلْعِدَّةِ ؛ فَثَبَتَ بِذَلِكَ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ شَهْرَا بِشَهْرٍ وَأَسْقَطَ اعْتِبَارَ الْعَدَدِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ إفْطَارَهُ بَعْضَ رَمَضَانَ يُوجِبُ قَضَاءَ مَا أَفْطَرَ بِعَدَدِهِ، كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ إفْطَارِ جَمِيعِهِ فِي اعْتِبَارِ عَدَدِهِ.


الصفحة التالية
Icon