بَابُ ذِكْرِ الِاخْتِلَافِ فِي الطَّلَاقِ بِالرِّجَالِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : اتَّفَقَ السَّلَفُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَيْنِ الْمَمْلُوكَيْنِ خَارِجَانِ مِنْ قَوْله تَعَالَى :﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الرِّقَّ يُوجِبُ نُقْصَانَ الطَّلَاقِ، فَقَالَ عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ :" الطَّلَاقُ بِالنِّسَاءِ " يَعْنِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إنْ كَانَتْ حُرَّةً فَطَلَاقُهَا ثَلَاثٌ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا، وَأَنَّهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً فَطَلَاقُهَا اثْنَتَانِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ.
وَقَالَ عُثْمَانُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ :" الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ " يَعْنُونَ أَنَّ الزَّوْجَ إنْ كَانَ عَبْدًا فَطَلَاقُهُ اثْنَتَانِ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَطَلَاقُهُ ثَلَاثٌ حُرَّةً كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ أَمَةً ؛ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ :" أَيُّهُمَا رَقَّ نَقَصَ الطَّلَاقُ بِرِقِّهِ " وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ.
وَقَدْ رَوَى هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :" الْأَمْرُ إلَى الْمَوْلَى فِي الطَّلَاقِ أَذِنَ لَهُ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ " وَيَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ﴾ رَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ غُلَامًا كَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ :" ارْجِعْهَا لَا أُمَّ لَك فَإِنَّهُ لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ ".
فَأَبَى، فَقَالَ :" هِيَ لَك فَاِتَّخِذْهَا ".
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى طَلَاقَهُ وَاقِعًا لَوْلَاهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ " ارْجِعْهَا " وَقَوْلُهُ :" هِيَ لَك " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً.
وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ حُرًّا ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا


الصفحة التالية
Icon