تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } وَرَوَى أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ : أَرَأَيْت إذَا كَانَتْ لَهُ ظَالِمَةً مُسِيئَةً فَدَعَاهَا إلَى الْخُلْعِ أَيَحِلُّ لَهُ ؟ قَالَ : لَا، إمَّا أَنْ يَرْضَى فَيُمْسِكَ وَإِمَّا أَنْ يُسَرِّحَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ يَرُدُّهُ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقُ السَّلَفِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ :﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ ﴾ الْآيَةَ، مَا يُوجِبُ نَسْخَ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَقْصُورَةُ الْحُكْمِ عَلَى حَالٍ مَذْكُورَةٍ فِيهَا، فَإِنَّمَا حُظِرَ الْخَلْعُ إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ وَأَرَادَ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ غَيْرَهَا، وَأَبَاحَهُ إذَا خَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ بِأَنْ تَكُونَ مُبْغِضَةً لَهُ أَوْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ أَوْ كَانَ هُوَ سَيِّئُ الْخُلُقِ وَلَا يَقْصِدُ مَعَ ذَلِكَ الْإِضْرَارَ بِهَا لَكِنَّهُمَا يَخَافَانِ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فِي حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَتَوْفِيَةِ مَا أَلْزَمَهُمَا اللَّهُ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ ؛ وَهَذِهِ الْحَالُ غَيْرُ تِلْكَ، فَلَيْسَ فِي إحْدَاهُمَا مَا يُعْتَرَضُ بِهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَلَا يُوجِبُ نَسْخَهَا وَلَا تَخْصِيصَهَا أَيْضًا ؛ إذْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيمَا وَرَدَتْ فِيهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ ﴾ إذَا كَانَ خِطَابًا لِلْأَزْوَاجِ، فَإِنَّمَا حُظِرَ عَلَيْهِمْ أَخْذُ شَيْءِ مِنْ مَالِهَا إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ قَاصِدًا لِلْإِضْرَارِ بِهَا، إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَأَبُو قِلَابَةَ : يَعْنِي أَنْ يَظْهَرَ مِنْهَا عَلَى زِنًا.
وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَحِلُّ إلَّا مِنْ النَّاشِزِ.
فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ نَسْخٌ، وَجَمِيعُهَا مُسْتَعْمَلٌ ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.


الصفحة التالية
Icon