وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْخُلْعِ دُونَ السُّلْطَانِ، فَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ :" أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ السُّلْطَانِ ".
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ :" لَا يَكُونُ الْخُلْعُ حَتَّى يَعِظَهَا، فَإِنْ اتَّعَظَتْ وَإِلَّا ضَرَبَهَا، فَإِنْ اتَّعَظَتْ وَإِلَّا حَجَرَهَا فَإِنْ اتَّعَظَتْ ارْتَفَعَا إلَى السُّلْطَانِ فَيَبْعَثُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا فَيَرُدَّانِ مَا يَسْمَعَانِ إلَى السُّلْطَانِ، فَإِنْ رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُفَرِّقَ فَرَّقَ وَإِنَّ رَأَى أَنْ يَجْمَعَ جَمَعَ ".
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَشُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ فِي آخَرِينَ :" أَنَّ الْخُلْعَ جَائِزٌ دُونَ السُّلْطَانِ ".
وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ :" كَانَ زِيَادٌ أَوَّلَ مَنْ رَدَّ الْخُلْعَ دُونَ السُّلْطَانِ ".
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي جَوَازِهِ دُونَ السُّلْطَانِ ؛ وَكِتَابُ اللَّهِ يُوجِبُ جَوَازَهُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ﴾ فَأَبَاحَ الْأَخْذَ مِنْهَا بِتَرَاضِيهِمَا مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ.
﴿ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ فَقَالَتْ : نَعَمْ فَقَالَ لِلزَّوْجِ : خُذْهَا وَفَارِقْهَا ﴾ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخُلْعُ إلَى السُّلْطَانِ شَاءَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَبَيَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُمَا لَا يُقِيمَانِ حُدُودَ اللَّهِ لَمْ يَسْأَلْهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا خَاطَبَ الزَّوْجَ بِقَوْلِهِ " اخْلَعْهَا " بَلْ كَانَ يَخْلَعُهَا مِنْهُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ، وَإِنْ أَبَيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، كَمَا لَمَّا كَانَتْ فُرْقَةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ إلَى الْحَاكِمِ، لَمْ يَقُلْ لِلْمُلَاعِنِ خَلِّ سَبِيلَهَا " بَلْ فَرِّقْ بَيْنَهُمَا، كَمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ :{ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى